الخبرة سلاح ذو حدين بالنسبة لمرشحي الانتخابات

TT

بعد أسبوع من وقوف السيناتور الشاب باراك أوباما في مبنى دالي بلازا وشجبه المضي في الحرب على العراق واصفًا إياها بـ«الحرب الغبية»، اتجه جوزيف بايدن إلى مجلس الشيوخ لتقديم بيان أكثر اختلافًا، بشأن القرار الذي قاد إلى حرب العراق، والجهد الدبلوماسي الذي أمل أن يؤدي إلى تفادي تلك الحرب.

وعلى مدار ثلاثة أيام من الجدال، أوضح بايدن ـ رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ـ أن دعمه لقرار الحرب الخاص بالرئيس بوش كان مقصودًا منه دعم قدرة الرئيس بوش على إعادة مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة إلى العراق من جديد. إلا أنه عاد وأوضح أنه كان يتعين التعامل مع صدام حسين عاجلاً أم آجلاً. لذا ففي النهاية، صوت لمنح الرئيس بوش التفويض اللازم لغزو العراق.

ومع احتساب بايدن الآن ضمن قائمة المرشحين الديمقراطيين، فإن وضع أوباما الآن مقابل جون ماكين فيما يتعلق بقضية الحرب المحورية تعتبر أكثر تعقيدًا. فأوباما يعلن الوقت تلو الآخر أنه كان يعارض غزو العراق من البداية، بالرغم من الاتجاهات السياسية التي سارت في اتجاه الحرب آنذاك.

بينما صرح مساعدو ماكين يوم الأحد (الماضي) أنهم ينوون استغلال زميل أوباما المرشح للانتخابات ـ أي بيدن ـ ضده. وهم بذلك يريدون أن تتحول المنافسة على الانتخابات الرئاسية إلى صراع لاثنين مقابل واحد؛ بحيث يكون أوباما من ناحية، وبايدن وماكين معًا من ناحية أخرى، ليس حول الخلاف على حرب العراق فقط، بل على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية التي صوت بايدن من أجلها عام 2005، ومشروع قانون الطاقة الجمهوري الذي صوت بايدن وماكين ضده.

ويقول توكر باوندز ـ الناطق باسم ماكين: «في النهاية، إننا نتطلع إلى النقاش بين بايدن وباراك أوباما بشأن إذا ما كان أوباما لديه القدرة على الحكم والخبرة من أجل تولي القيادة أم لا».

ورفض ديفيد واد ـ الناطق باسم الحملة الانتخابية لبيدن ـ تلك المخططات واصفًا إياها على أنها «جهود يائسة للتشويش على الخطابات».

لقد صوت بايدن لصالح قرار الحرب بعدما أُحبطت كل جهوده للعمل مع زميله الجمهوري ريتشارد لوغر لكبح جماح جهود بوش للتوجه إلى الحرب، على يد الجمهوريين مثل جون ماكين وأيضًا الديمقراطيين الذين لم تكن لديهم النية للوقوف أمام بوش قبل أسابيع قليلة على انتخابات 2002. واستغل بايدن رئاسته للجنة العلاقات الخارجية للكشف عن نوايا بوش أمام الجميع خلال هذا الصيف، وذلك عبر سلسلة من جلسات الاستماع الحادة بشأن التهديد الذي يفرضه صدام حسين وخسائر وتبعات الحرب.

وبمجرد شن الولايات المتحدة للحرب، كان بايدن من أشد الأصوات المناهضة لمواصلة البلاد لها، وبالتالي فإنه ضد الحرب نفسها. وبحلول عام 2005، أعلنها بايدن صراحة أن تصويته لصالح الحرب كان خطأً.

ويقول واد: «لقد كان خيار العراق في هذه الانتخابات واضحًا وفارضًا لنفسه، وقد كان بايدن مقتنعًا بأن الحرب كانت خطأً.. إن بايدن يعلم أن سياسة بوش وماكين أضعفت يدنا التي تحارب الإرهاب، كما أنها هي من أوجدت أسامة بن لادن. لقد بدأ جون ماكين في قرع طبول الحرب بعد حادثة 11 سبتمبر وأراد أن يزيد من استمرار سياسة بوش لأربع سنوات أخرى. وإذا ما عالج باراك أوباما وجوي بايدن سياسة العراق على مدار الست سنوات الماضية بدلاً من بوش وماكين، فما كنا لنصبح في المأزق الذي نحن عليه الآن».

وفي الأيام التي أدت إلى التصويت على قرار الحرب، وقف بايدن وماكين إلى جانب بعضهم البعض داخل مجلس الشيوخ، وأحيانًا ما كانوا يتصارعون. فقد تعاونا لإسقاط تعديل السناتور كارل ليفن، والذي كان من شأنه إجبار بوش على السعي للحصول على تفويض آخر قبل أن يخوض الحرب فعليًا. بينما كانا متعارضين بشأن الجهود الرامية إلى تضييق مهمة الحرب من تغيير النظام العراقي إلى مجرد القتال للقضاء على أسلحة الدمار الشامل المزعومة آنذاك. وقد عبّر بايدن عن الهواجس الذي تعتريه بشأن نوايا بوش.

وأوضح بايدن: «إن الرئيس لديه الحق دائمًا في التصرف بصورة وقائية مسبقة إذا ما كنا في مواجهة خطر وشيك.. فإذا ما بدت الأخطار قادمة من الجحيم، يمكننا أن نرد. وإذا ما كانت القوات قادمة من تيجوانا في الشمال، يمكننا أن نرد. وإذا ما كانت القوات قادمة جنوبًا يمكننا أن نرد. وإذا كانت الصواريخ في طريقها إلينا، يمكننا أن نرد. لكن هذه ليست الطريقة التي سمعت أنها تجري هنا. إننا نتحدث عن الوقاية المسبقة كما لو أننا نتبنى سياسة».

لقد حذر السيناتور بايدن زملاءه حتى بأن التهديدات باستخدام سلطة الملاحقة التابعة للكونغرس من أجل إيقاف حرب بوش لن تمضي إلى أي مكان، لذا فإن التصويت لصالح الحرب سيستهل مقترحًا بأن الحرب ليس من السهل أن يتم السيطرة عليها من داخل الكونغرس. وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2002، حذر بايدن أن: «سلطة الملاحقة لا طائل منها لأنها تضعنا» في خضم خيارات مربكة، وتابع بايدن قائلاً: «لقد حاربنا رجالاً ونساءً من أماكننا، وقد أُخبرنا أن الرئيس لن يعيد القوات إلى الوطن، وبالتالي إذا قطعنا دعمنا لهم (أي القوات)، فلن يكون لديهم أسلحة، ولا رصاص، ولن يقووا على القتال. وهذا ما لا يقدر أحد على فعله».

وبمجرد أن انضم أوباما إلى بايدن بمجلس الشيوخ، حاول هو الآخر استخدام سلطة الملاحقة، إلا أنه فشل هو الآخر، كما توقع بايدن بالضبط. ومع ذلك، ففي التصريحات الختامية لبايدن قبل التصويت لصالح الحرب عام 2002، أوضح أنه يثق بالرئيس بوش إلى حد ما، حيث صرح بأن: «الرئيس أوضح أن مواجهة العراق لن تصرفنا عن الحرب غير المنتهية على الإرهاب. وأنا أرى أنه محق». فنحن يجب أن نعرف كيف نصنع العديد من الأشياء في وقت واحد. وتابع: «.. إنني واثق أن الرئيس لن يأخذنا إلى الحرب منفردين. كما أنني واثق أننا سنعزز من قدرته على جلب العالم ليكون بجانبنا بمجرد التصويت على القرار».

وفي النهاية، صوت كل من بايدن وماكين لصالح الحرب. حينها أعلن بايدن يوم التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2002: «إن الشعب الأميركي قوي، وبارع، وهو عازم على معالجة هذه القضية».

إن قضية الحرب تؤكد مزية ومعضلة أن يكون لديك شخص محنك في السياسة الخارجية بين لائحة مرشحي الحزب. إن سجل بايدن الطويل لا يضيف إلى الانقسام الذي أوجد نفسه في الحملة حتى وقتنا الحالي بين الرجل الذي هلل لصالح الحرب قبل بدايتها بكثير، وبين آخر عارضها منذ البداية. وبالفعل، إن العلاقة بين بايدن وماكين تعتبر شديدة التعقيد أكثر من أن تكون خصومة سياسية. فمن مقاعدهما في لجنتي الأمن القومي، يتصارع كل منهما حول العالم، كما أنهما قاموا ببناء سمعتيهما داخل حزبيهما على أنهما خبيران في الحرب والسلام. وعلى مدار سنوات طوال، جاب كلاهما أنحاء العالم، وغالبًا ما كانا يعودان من مناطق الحرب ليتشاحن كل منهما مع الآخر في البرامج التي تُعرض صباح الأحد. ويقول أعضاء الحزبين، إن المحصلة النهائية لذلك هي توطد التنافسية والصداقة بينهما على قدم المساواة.

وفي عام 2005، أخبر بايدن الممثل الكوميدي جون ستيوارت: «إن جون ماكين صديق شخصي ورائع، وأشرف بخوض الانتخابات معه أو ضده، لأني أعتقد أن البلاد سوف تتحسن». ولدى سؤال ماكين في 1999، ما الذي سيفعله في أول يوم رئاسته، أجاب: «سأتصل بجوي بايدن، وجون كيري، وزبغنيو بريزيزنسكي وكارل ليفن، وبعض الجمهوريين الأصدقاء» لإجراء نقاشات صريحة حول الحاجة إلى سياسة خارجية مؤيدة من الحزبين. وأوضح أحد مساعدي بايدن حول طبيعة العلاقة بين بايدن وماكين: «إنهما يتمتعان بصداقة جيدة وطويلة، فهما صديقان لبعضهما بالفعل».

* خدمة « واشنطن بوست»

خاص بـ « الشرق الأوسط»