«جريش» في السفارة الأمريكية !

TT

قد يبدو من الوهلة الأولى أن عنوان المقال اليوم هو «أفيش» سينمائي لفيلم قادم، ولكنه ليس كذلك! فمنذ أيام قليلة كنت مدعوا لمائدة إفطار في دار السفير الأمريكي بالعاصمة السعودية الرياض، وكانت مناسبة رمضانية لافتة يتم فيها استعراض المواضيع والآراء المثيرة بين السعوديين ونظرائهم الأمريكيين. لقاء رمضاني يأتي بعد إطلاق السعودية لمبادرة حوار الأديان المهمة، ومع موعد ذكرى أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر والتي كانت بمثابة «اختبار حمضي» للعلاقات السعودية الأمريكية، وهي التي تعرضت لتشريح غير مسبوق، ودخل الطرفان إلى أعماق المشاكل التي كانت موجودة بينهما ووضعاها على طاولة المواجهة وذلك في خطوة نادرة في العلاقات بين الشعوب وهي تحسب ولا شك للدولتين. نعم كان بوفيه الإفطار يحتوي على الوجبة السعودية المعروفة «الجريش» كما كان يحتوي على تمور «الخلاص» و«السكرية» و«نبوت سيف» من منتجات نخيل القصيم والأحساء، ولكن بعيدا عن هذه الرمزية اللطيفة لا تزال العلاقة السعودية الأمريكية هي علاقة حكومات، ولم تتحول إلى علاقات بين الشعوب، بالرغم من الكم الهائل من الطلبة السعوديين المبتعثين للولايات المتحدة، وحجم التجارة البيني الكبير بين البلدين والأعداد الكبيرة من المهندسين والخبراء الأمريكيين الذين ساهموا في تطوير أكثر من صناعة بالسعودية، لعل أهمها وأشهرها بطبيعة الحال قطاع النفط والغاز.

السعوديون والأمريكيون مطالبون باستثمار الإرث المهم المتراكم عبر السنين في علاقاتهما. هناك غياب كبير وغير مفهوم في الاستثمار البيني المطلوب في مجالات التعليم والتدريب والصحة (وهي مجالات ينفق فيها السعوديون مئات الملايين من الدولارات لإرسال أبنائهم للولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة من المزايا الكبرى لأمريكا فيها)، تحول العلاقة بين أمريكا والسعودية من علاقة رسمية «فقط» إلى علاقة فيها تكامل أكبر تزال فيها أسوار الشك والقلق والريبة التي أفقدت البلدين فرص التطور والنمو لأجل علاقة سوية ومتكافئة. حال القلق الموجودة وحالة الكره والحب الموجودة في العلاقة السعودية الأمريكية تعطل الكثير من فرص تحسين العلاقة وتطويرها. هذه الفرصة لن تأتي إلا بحلول ذهنية جديدة تخرج العلاقة من صورة بائسة قديمة وغير واقعية إلى صورة عملية وعقلانية. الأمريكان أكلوا الجريش والقرصان والسليق والبادية والكبسة، كما تناول السعوديون الهامبورجر والبيتزا والدجاج المقلي والهوت دوج، ولكن لا تزال العلاقة البينية علاقة سطحية وهشة، لأن حجم الثقة قليل، ولا يزال القلق والريبة والشك أسياد الموقف. وإلى أن يتغير هذا الوضع ويتم اتخاذ قرارات «مختلفة» ستبقى العلاقة خجولة تعتمد على أحاديث خجولة حول أطباق مثيرة للكلام والتعليق.

[email protected]