إلى أين يذهب 5 ملايين فلسطيني؟

TT

في حديثه هذا الاسبوع، الى صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن اللاجئين يمثلون العقدة الرئيسية التي تحول دون اتفاق سلام مع اسرائيل. قال ان الأمور ليست واضحة بعد، وان كل جزئية فيها تفاصيل معقدة للذين سيعودون الى اراضي الضفة الغربية وغزة، واولئك الذين سترضى اسرائيل بعودتهم الى اراضيهم، اي اسرائيل اليوم. وهناك اللاجئون الذين سيبقون على اراضي الدول العربية التي يسكنونها اليوم، فيصبحون مصريين ويمنيين وسعوديين وإماراتيين وتوانسة وغير ذلك. وفي ما اذا كانت اسرائيل ستسمح بمنحهم هويات مزدوجة فلسطينية. اضف الى ذلك مسألة التعويضات، فهل تعطى للجميع في الخارج أم فقط للذين يسكنون المخيمات.

باختصار نحن نتحدث عن جبل من المشاكل وأمة من اللاجئين من خمسة ملايين فلسطيني. رقم اضخم مما تستوعبه الاراضي الفلسطينية، واصعب من ان يتجاهله اي مفاوض في العالم، انسانيا وسياسيا واقتصاديا واداريا.

سيصعب على أي مفاوض ان يجد لهذه الملايين حلولا معقولة، وان تطمئن كذلك اسرائيل القلقة دائما من الديموغرافيا الفلسطينية. وسيصعب على ابو مازن استمالة المنظمات الفلسطينية التي تعهدت لمواطنيها بالعودة، واقناع الدول المضيفة التي تحملت الكثير في انتظار خروجهم يوم العودة. فهناك من أعلن رفضه التوطين مثل لبنان، وهناك دول عربية ستتعاون فقط بمنح الاقامة لنصفهم.

بالنسبة للمحظوظين، الذين سيسمح لهم بالعودة، على اعتبار ان «حق العودة» لا يعني فعلا العودة، فقد يكتشفون ان الحلم ليس إلا كابوسا بعد أن مر نصف قرن منذ ان غادروا بيوتهم، تبدلت بعدها الخرائط والاملاك. أما الذين سيبقون على الأرض التي استضافتهم، وغالبا نحن نتحدث عن الأردن وسورية البلدين الاقل تذمرا من وجود اللاجئين الفلسطينيين، فان توطينهم سيعني انتقال المسؤولية من منظمات الغوث الدولية الى ادارة الحكومات المحلية التي لا تملك ما يكفي لتدبير شؤونها. أيضا لا نعرف الكثير بعد عن التعويضات إن كانت ستمنح للحكومات أم للاجئين. ومهما كان القرار فاننا نتحدث عن تغيير قد يستغرق عشر سنوات يتم فيها تغيير الفلسطيني من لاجئ الى مواطن يتحمل مسؤوليته الشخصية بنفسه.

ومع ان الرئيس ابو مازن متفاؤل بانه قادر على اعادة اكثر من مائة الف فلسطيني الى داخل اسرائيل، الا انني اظن انها ستتسبب في ازمة، وقد لا يجرؤ اي رئيس وزراء اسرائيلي على تنفيذها.

ابومازن، خشية ان يبيع مواطنيه أوهاما، يردد كثيرا انه لا يوجد حل بعد، وهذا صحيح الى حد ما. يقول إن الاسرائيليين يماطلون، وقد انسحبوا بلا سبب معلن، وهو أمر متوقع لانه ليس في صالح اسرائيل ان تغير الوضع الراهن. ليس في صالح اسرائيل ان تقوم دولة فلسطينية، ولا أن يعود نحو مليون فلسطيني الى الضفة وغزة، لأن فيه تغييرا خطيرا في ميزان القوى الديموغرافي في محيطها. وتكره ان تقدم تنازلات أيضا في المياه والحدود والقدس، ولا تريد أن تخسر ذريعة الصراع الذي يمنحها تعاطف اليهود في انحاء العالم، ويساعدها على جمع التبرعات الهائلة، ويوحد اليهود داخل اسرائيل نفسها ضد العدو العربي. لكن على إسرائيل أن تعترف بأنها حلبت منافع الصراع طويلا من غباء العرب، وقد تعلم الفلسطينيون، والعرب عموما، خطأ الاكتفاء بالخيار العسكري، ولم يعد امام الطرفين إلا القبول بالحل السلمي النهائي.

[email protected]