محاصصة في النفط

TT

اذا كان جان كوكتو قد قال انه يخاف من كل من لا يقرأ الشعر فأنا اخاف من كل من ينظم الشعر. بيد ان بضع ساعات مع جابر الجابري، وكيل وزارة الثقافة العراقية بددت هذا الخوف من قلبي. فهو شاعر ولكنه لا يمقت زملاءه من الشعراء الآخرين. وهو سياسي ولكنه يمد يده لكل السياسيين والمسيسين.

التقيت به في عمان وجددت اللقاء في لندن على هامش المهرجان الثقافي العراقي الاول الذي نظمه الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية. انتهى المهرجان بمناقشة مفيدة لمستقبل الثقافة العراقية. تداخلت في النقاش بالإشارة الى دور المثقفين العراقيين في الخارج في فضح نظام صدام حسين وتهيئة الجو العالمي لاستعمال القوة للاطاحة به. وفي ظلمات القمع الذي احاط الثقافة العراقية في الداخل، تنكب المثقفون المغتربون راية الفكر العراقي بشتى صوره، فنا وشعرا وادبا وسياسة واداموا بذلك حياته وشعلته التي طالما اعتز بها البلد واستضاء بها سائر المثقفين العرب.

مضيت فسألت السيد الوكيل عما تستحقه هذه النخبة من رعاية الدولة. طالما تساءل القوم اذا كان نفط العراق لشعب العراق، فأين حصتهم منه؟ طرحت السؤال من باب المداعبة والمناغشة. واذا به يتحول الى جد.

تفضل السياسي الشاعر فقال ان الموضوع طرق ذهنه مسبقا وهداه الى إقناع الوزارة بتخصيص ثمانية ملايين من الدولارات لإكرام المثقفين في الداخل ومثلها للمثقفين في الخارج. ثم مضى ليشرح المحنة التي ترتبت على هذه المكرمة. ما ان اعلن عنها حتى انقلب كل عراقي الى شاعر وقصاص ورسام وفنان واسرع الى ابواب الوزارة يتدافع مع زملائه مطالبا بحصته من النفط.

والآن سيواجه المسؤولون نفس المحنة في الخارج على ابواب كل سفارة عراقية. ما العمل؟ كيف سيمكنهم تحديد من هو المثقف الذي يستحق حصته من براميل النفط؟ لقد سبق للصحافي الساخر نوري ثابت ان انتبه في الثلاثينات الى هذه المشكلة فكتب في صحيفته الفكاهية «حبزبوز» واقترح على الدولة ان تتثبت من هوية كل مثقف ثم تصدر طوابع خاصة تلصق على جبينه مع ختم وتوقيع وزير الداخلية بما يؤيد هوية الرجل. يراها الناس فيدركون على الفور ان الرجل «مثقف». ولكن ولسوء حظ جابر الجابري، وبقدر معلوماتي في الموضوع، لم اسمع ان واحدة من الحكومات اللاحقة قد انجزت هذه المهمة، فظل السيد الوكيل في حيرة من امره. بيد انني ربما استطيع مساعدته في هذا الموضوع الشائك باتباع هذه الوسيلة البسيطة في إثبات هوية المثقف ورسالته. المثقفون العراقيون لا يبدعون في شيء كما يبدعون في مخانقة ومشاتمة بعضهم البعض. ما عليه غير ان يطلب من كل مثقف يطالب بحصته من النفط ان يقدم شهادات من الشرطة البريطانية او من محام شرعي تثبت ما فعله بزملائه من لكمات وطعنات وضرب وجرح بالعرض والناموس.

www.kishtainiat.blogspot.com