لو كنت لاعب كرة

TT

لو كنت لاعب كرة للعبت لمن يدفع أكثر، فعلاقة الأندية باللاعبين علاقة موقوتة جدا، ترتبط بفترة عطاء اللاعب، فإذا ما هرم أو عجز أصبح حاله كحصان الجيش لا يستحق سوى رصاصة الرحمة، وقد أحزنني بالأمس أن أقرأ عن صالح النعيمة، أهم وأشهر قائد للمنتخب السعودي، الذي حمل شارة القيادة 11 سنة، ولم يتخلف عن اللعب في أصعب الظروف الأسرية، حيث لعب حينما كانت والدته في العناية المركزة، ولعب في اليوم الذي توفى فيه والده، ولعب الست سنوات الأخيرة، وهو يخفف آلامه بحقن «الفولترين»، هذا اللاعب العلم في تاريخ الكرة السعودية يبلغ اليوم الخمسين من العمر، أب لستة أبناء، يقبع اليوم بعد انحسار الأضواء بلا عمل، ولا وسيلة مواصلات، وهو الذي كان إبان نجوميته يمتلك أفخم العربات، وتفتح أمامه كل الفرص، وكأن الزمن يريد أن يعاقبه على صرف طاقات شبابه راكضا خلف الكرة من غير أن يفكر في غده..

التقيت بصالح النعيمة في لندن بعد اعتزاله بفترة قصيرة، وكان متفائلا بأن يواصل مسيرته مع الكرة مرشدا وموجها وصاحب خبرة، ولكن يبدو أن حسابات النعيمة كانت ضربا من الأمنيات، فجرت الرياح بما لا يشتهي، ولم يكن لمثل صالح أن يشكو حاله في قناة فضائية لولا أن نفد صبره، وبلغ سيله الزبى..

وحال النعيمة لا يختلف عن حال غيره من اللاعبين السابقين أمثال: نجم نجوم الكرة السعودية سعيد غراب، عبد الله السلمان، عادل عبد الرحيم، مبارك عبد الكريم، وغيرهم، فاللاعب السعودي ـ حتى في عصر الاحتراف ـ لم تتشكل لديه ثقافة استشراف ما بعد النجومية، فظل يتعامل بأسلوب «يومه عيده»، حتى تداهمه الأيام بانحسار الشهرة، فيتحول إلى «أحد ما» مجردا من كل هالات الأمس، وحفاوة الزمن.

في الغرب حيث تجربة الاحتراف أعمق وأطول، فإن اللاعب يتعامل مع المرحلة الكروية بقدر من الواقعية، تعتمد على استثمار دخله بصورة تغطي مرحلة ما بعد النجومية، فلا يتحول في لحظة من مليونير إلى «مديونير»، كما هو حال بعض لاعبينا.

في مواجهة الفارق الثقافي الاحترافي كم تمنيت لو أن نصف دخل لاعبينا الشهري يستثمر من قبل جهة متخصصة في استثمارات آمنة تنقذ اللاعب من الاصطدام بالمجهول بعد اعتزاله، فليس أقسى وأصعب على النجم من انحسار الأضواء وعالم النسيان.

[email protected]