الأردوغانية

TT

كل ما يجري في تركيا في ظل الحزب الاسلامي الحاكم يبدو مفاجئاً واحياناً مثيراً. وكل هذه المتغيرات لم نشهدها خلال عقود طويلة من حكم الاحزاب العلمانية الأتاتوركية، او حتى أيام الحكم العسكري المباشر.

ولنبدأ من الأخير: رجب طيب اردوغان يقوم بزيارة ارمينيا. هذا يشابه زيارة ديغول لألمانيا وزيارة المستشار الألماني فيلي برانت الى بولندا وزيارة رئيس وزراء اليابان الى كوريا الجنوبية او الصين. بلدان يمتلئ تاريخها المشترك بالمجازر والحروب والاحتلالات والفظاظة، شعوبها لا تنسى. لكن يأتي قادة شجعان ويقرّرون ان الحتمية الاخيرة هي للمصالحة لا للعداء، مهما كان عدد الضحايا وحجم المجازر وعمق الذكريات.

لقد اقدم العلماني بولند اجاويد العام 1974 على غزو قبرص وتقسيمها وإنزال قوات تركية على جزء كبير منها. واليوم تدور اولى المفاوضات الجدية لاعادة توحيد الجزيرة. والسبب ليس فقط المناخ الجديد في نيقوسيا بل المناخ السائد في انقرة. اي اردوغان والرفاق، الذين يحاولون بناء صورة جديدة لتركيا، والعودة بها الى ديارها السابقة دولة صديقة لا مستعمرة، وبكامل اناقة هذا الاسطنبولي الواثق الخطى، لا بالطرابيش العالية وجزمة جمال باشا السفاح.

لولا قبول انقرة لما كانت هناك مفاوضات في نيقوسيا، حيث الفاصل بين اهل البلد شارع ومقهى يرفع اصحابه الذين هم من اصل لبناني صور زعماء ورؤساء لبنانيين.

الاقتصاد التركي انتعش في ظل اردوغان. والسياحة تضاعفت في ظله. وسواء كان الهدف النهائي الوصول الى كسب العضوية الاوروبية ام لا، فإن معالم تركيا قد تغيّرت تماماً في ظل الاسلاميين الذين كان يخشى ان يغلقوا ابوابها ويرفعوا اسوارها ويسدوا مضائق البوسفور في وجه التيارات الاوروبية.

كانت تركيا الأتاتوركية قد قررت ان تدير ظهرها للعرب، الذين تخلوا عنها واشعروها بالإهانة، ووقفوا يطلبون القومية العربية الى جانب الانكليز، او مرحّبين بالجنرال اللنبي الذي عندما وصل القدس قال انه «عاد» اليها، كأنه يستذكر حملات ريتشارد قلب الأسد.

ارادت تركيا الأتاتوركية التي صارت عاصمتها بلدة صغيرة في بلاد الاناضول بدل مجد الاستانة، ان تضمر وان تنضوي ضمن حدود دولة عادية، بكل خصومات الماضي.

هذه الدولة لا يكف «مؤذن اسطنبول» عن فتح ابوابها ونوافذها. في كل الاتجاهات.