بالين تتحدى أعباء الأمومة

TT

كنت في طريقي إلى مدرسة أبنائي وأنا أستقل السيارة أنصت إلى برنامج حواري في الراديو يغلب عليه الطابع المحافظ، وتركز الحديث حول سارة بالين. وبطبيعة الحال انصبت الانتقادات على الليبراليين، تحديداً العناصر الليبرالية من الصحفيين المناصرين للحركة النسوية والذين ظلوا يطالبون بإقرار المساواة بين النوعين حتى شرع الحزب الجمهوري في ممارستها.

واتضح بعد ذلك أنني واحد من هؤلاء الصحفيين. ولا أسرد هذه القصة بهدف المباهاة بشهرتي، في الواقع لقد جئت في ذيل قائمة الصحفيين المتهمين، أو من أجل التباهي بكوني شخصا طيب القلب. ويمكن لأطفالي أن يؤكدوا لكم أنني لم أكن كذلك مطلقاً خلال الفترة الأخيرة نظراً لتزامن موعد انعقاد المؤتمرات الوطنية الحزبية مع بدء الموسم الدراسي الجديد.

إلا أن الحوار الذي استمعت إليه كشف النقاب عن الطبيعة المعكوسة التي يتسم بها النقاش الدائر حول بالين، حيث ترحب الأصوات الممثلة للنساء غير العاملات بالتاريخ المهني لبالين، بينما تجفل النساء العاملات من فكرة تولي أم لخمسة أطفال منصب نائب الرئيس. ومثلما الحال مع لوحات بيكاسو التي تصور أجزاء الجسم المختلفة في صور معوجة، لا يوجد أي من أجزاء هذه اللوحة السياسية بمكانه المعتاد.

من ناحيتها، أعربت زميلتي سالي كوين عن وجهة نظرها في بالين بصورة انطوت على قدر بالغ من الاستفزاز بطرحها التساؤل: «هل هي على استعداد للطبيعة المُنهكة لهذه الوظيفة؟ عندما يرن جرس الهاتف في الثالثة صباحاً في وقت يعاني أحد أطفالها من مرض حقيقي، ماذا سيكون اختيارها؟».

ولم تكن كوين الوحيدة في إظهار هذه الاستجابة المتضاربة، لقد حضرت اجتماعا لمجموعة من السيدات المتزوجات في لاس فيجاس واللائي لم يتخذن قراراً نهائياً بعد بشأن المرشح الرئاسي الذي سيولونه أصواتهن. انعقد الاجتماع تحت رعاية إحدى المنظمات ذات الميول الديمقراطية تحمل اسم أصوات النساء صوت النساء (ومنز فويسز ومن فوت)، وعاينت خلاله ردود الأفعال تجاه الخطاب الذي ألقته بالين. وفي غضون لحظات قليلة اندلع نقاش محتدم حول قضية الأمومة.

قالت إحدى السيدات المشاركات تعمل ـ مديرة مكتب وهي أم لأربعة أطفال: «إنها تشعر كواحدة منا. إن لديها أسرة وتعمل وحصلت بمجهودها على ما وصلت إليه بدلا من استغلال طريق الزواج للوصول إليه... لكن الكثيرات منا يعملن ولديهن أطفال صغار وكل هذه الأمور».هنا قاطعتها محاسبة تعمل من المنزل بتساؤلها: «لكن هل يمكنك أن تتولي رئاسة البلاد ولديك طفل رضيع وأسرة كبيرة ومنح كلاهما ما يستحقه من اهتمام؟» وردت المديرة بالقول: «حسناً، ماذا لو كان رجلا؟... هنا تحديداً تكمن ازدواجية المعايير».

إنني لا أرمي إلى التشكيك في قدرة بالين على الاضطلاع بأعظم التجارب في تاريخ الأمهات العاملات وأن تحقق التوازن بين مهام عملها وأعباء حياتها الأسرية، لكنني أتعجب من السبب الذي يدفعها لذلك، وأعتقد أن الكثير من الأمهات يتملكهن الشعور ذاته.

وعندما أمعن النظر في صديقاتي، من الصعب أن أجد واحدة منهن لم تضطر إلى الحد من طموحاتها المهنية كي تتوافق مع حياتها الأسرية.

ليس هذا ما سبق وأن توقعته، فمنذ أربعة عشر عاماً عندما كنت حاملا بطفلي الأول، استمعت إلى اثنتين من صديقاتي، كانتا تعملان حينذاك محاميتين داخل الكونغرس، تحدثتا عن حلمهما في العمل لجزء من الوقت فقط. حينئذ ساورني الاعتقاد بأنني لن أقدم على هذا التفكير قط. بعد ثمانية شهور، كنت في مكتب رئيس التحرير أعلن رغبتي في تقليص عدد الأيام التي أعملها بالصحيفة إلى أربعة أيام أسبوعياً.

وخلال سنوات قليلة، تراجع عدد الأيام التي أعملها إلى ثلاثة، أما صديقتاي فتخلتا عن عملهما في الكونغرس. والآن أعمل كل الوقت، لكن تحت وطأة معاناة كبيرة، وتمكنت من تحقيق ذلك فقط لعملي تحت إمرة رئيس يتميز بالمرونة. ورغم أن زوجي أب رائع، لكنه عجز عن تعويض دوري كاملا. إن دهشتي من إقدام بالين على هذا الاختيار لا يقلل من كوني مناصرة لحقوق المرأة، وإنما يعني فحسب أني أتحلى بالواقعية.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)