مدارس لقمان على حالها

TT

بالتوازي مع حلول شهر رمضان المبارك، بدأت الأسرة العربية، تستعد لتأمين العودة المدرسية لأبنائها. ومثل هذا الحدث يثير في كل عام تساؤلات وخواطر يضعها كل واحد منا على طريقته الخاصة: فهناك من يشتد به الحنين إلى أيام الدراسة وأترابها وذكرياتها الحلوة والغنية. وهناك من يشعر بوخز أسف بسبب عدم مواصلته الدراسة. وهناك أيضا من يستبد به القلق والحيرة حول مستقبل التعليم في العالم العربي.

قلق له ما يبرره وما يزيد في تأجيجه تلك المعطيات السوداوية، التي تُطالعنا بها تقارير أممية حول مدى تدني مستوى المؤسسة التربوية العربية وكيف أنها تعاني من مظاهر، هي في معاداة تامة وتاريخية مع طموح التقدم والتطور. وإذا ما وضعنا في عين الاعتبار أهمية الفضاء التربوي في تشكيل شخصية الفرد ودور التنشئة التربوية في تحديد الملامح التي سيكون عليها الجيل القادم، سيتضاعف قلقنا من عمق الأزمة التي يتخبط فيها التعليم في بلداننا دون أن تُطلق صيحة فزع واحدة.

إن التفكير الاستراتيجي والمنهجي، يقتضي من النخب السياسية العربية الحاكمة أن تولي الأولوية القصوى لمسألة معالجة نقائص التعليم ووضع خطة فائقة الجودة والسرعة، قادرة على تحقيق التدارك المطلوب. وإذ يستحق التعليم منا هذه الأولوية فلأنه أساس كل بناء وهو المنتج للكفاءات وللفاعلين في الاقتصاد والعلم والسياسة والثقافة، أي أنه الآلة التي ستفرخ جنود العمل والتنمية وبالتالي تصبح العناية به أكثر من ضرورة إذا ما أردنا كسب المعارك الأخرى. بل إنه وبعيدا عن منطق المبالغات، يكفي أن نكسب معركة التعليم بكل جدارة حتى نضمن مبدئيا نجاحا في الميادين الأخرى كافة. ولن نكسب معركة التعليم إلا إذا تخلصنا من الأمراض والشوائب المتراكمة، التي يعاني منها الأداء التربوي والتي يمكن حصر البعض منها في ظاهرة تسييس المؤسسات التربوية دون وعي بخطورة هذه الظاهرة، التي شاهدنا ما آلت إليه الأنظمة السياسية التي اعتمدته جاعلة من التعليم آلية للدمغجة والتعبئة غير المباشرة.

ومن جهة أخرى، فقدت المعدلات والنتائج في مجال التعليم مصداقيتها عندما أصبحت تُضخمُ بشكل وهمي وغير حقيقي. زد على ذلك ما تمثله ظاهرة الدروس الخصوصية من طاعون مسكوت عنه، قضت حتى على ما كان يُحسب في خانة الايجابيات، إذ حول عدد هائل من أساتذة المواد العلمية بالخصوص المدارس والمعاهد إلى فضاءات تجارية، الامتياز فيها لمن يُقبل أكثر على الدروس الخصوصية، الشيء الذي أسقط الضمير التربوي من الصورة وأطاح بهيبة التعليم ومصداقيته. فكانت النتيجة أرقاما مذهلة حول ظاهرة العنف ضد المعلمين والأساتذة في البلدان العربية.

وإلى جانب المعدلات وظاهرة الدروس الخصوصية، فإن المضامين التربوية لم تتخلص بعد من آفة التلقين التي لا تنتج أفرادا أحرارا وعقلانيين كما نحب ونطمح، لا سيما وأن معظم الدراسات تشير إلى أن تعويد الفرد على النقد والتساؤل والنسبية والتفكير الحر، يبدأ منذ التنشئة التربوية الأولى. دون أن ننسى طبعا الهوة الكبيرة القائمة بين طبيعة هذه المضامين وخصائص سوق الشغل في العالم العربي واحتياجاته. في الحقيقة إننا في أمس الحاجة إلى وقفة صريحة مع الذات الجمعاء، كي نُشخص مواطن الداء هذه بكل دقة ومسؤولية وذلك من خلال وضع استراتيجية فاعلة ومعاصرة، تُساهم في إنتاج أجيال حرة وذات إرادة خلاقة ولا تعرف سلطة غير سلطة الكفاءة والعمل. ووحدها هذه المقاربة، ستقودنا إلى التقدم والديمقراطية وإلى خلق مجتمعات مدنية حقيقية.

ومع ذلك لا بد من القول لكل التلاميذ والطلبة الذين يعدون حقائبهم للعودة المدرسية: عودة موفقة ومكللة بالنجاح إن شاء الله.

[email protected]