من كلمات خطاباتي

TT

كان الوقت حينها في عام 1972، حينما قرأت إعلانا في صحيفة «شيكاغو توداي» مكتوبا فيه «مطلوب كتاب لساعات ممتدة»، قادني هذا الإعلان إلى أحد الأدوار العلوية في مبنى لاسال ستريت. كنت حينها في الحادية والعشرين من عمري، يائسا من الحصول على وظيفة، وأرتدي بذلة مونتوغومري وارد التي كنت قد ابتعتها من أجل تخرجي. بعد فترة ليست بالطويلة، وجدت نفسي أصافح رئيس مؤسسة تيرمبيبر، والذي عينني من دون الانشغال بالنظر إلى حقيبة الأوراق التي جلبتها معي.

في هذا اليوم، قبلت طلبا بعمل تحقيق من 15 صفحة عن تعليم لغة البانتو في أفريقيا، وآخر من 10 صفحات عن أعمال الشغب في سجن أتيكا. وتقاضيت أجرا قدره دولاران عن كل صفحة كتبتها في موضوع سجن أتيكا وثلاثة دولارات عن كل صفحة في تقرير بانتو، حيث كان الأخير معدا لدورة تعليمية معدة للتخرج.

وبعد 6 أسابيع، وحوالي 50 بحثا فصليا ذهبت لأعرض القيام بهمة أخرى لأجد ملحوظة مثبتة على باب المؤسسة مكتوبا عليها: «مغلق بموجب أوامر من الشريف». لقد حصل محامو الحكومة على أمر بالإغلاق وإيقاف نشاط المجلة على أساس الفساد، والتزييف، والانتحال، وإفساد النظام التعليمي. وأنذرت جامعة هارفارد حينها بملاحقة أماكن عمل الأبحاث الفصلية بالقضايا لخرقها «العقد التعليمي الضمني» بين الكليات والطلاب. في ذلك الوقت، وقفت إلى جانب الباب الموصد مشدوها. نعم، إن العمل يبدو مشينًا في البداية، إلا أن رئيس الشركة طمأنني أن هذا العمل يعتبر مستقيما ولا تشوبه شائبة. فالكتاب موافقون على استخدام شخص آخر لكلماتهم التي كتبوها نظير تعويض عادل ومقبول، «مثل كاتبي الخطابات السياسية»، وكان هذا فكره المنطقي. واليوم، ما زال بيع الأبحاث الفصلية للطلاب لاستخدامها كما لو كانت تخصهم غير قانوني، أما بيع الخطابات للساسة لاستخدامها على أنها تخصهم فما زال عملاً شرعيا. فكيف يمكن أن يحدث هذا؟

ولنرى كيف تعاملنا مع طلاب الجامعات الذين اشتروا أبحاثا فصلية، أو المؤلف أليكس هيلي الذي عمد إلى الانتحال في روايته «Roots» (أو الجذور)، أو السيناتور جوي بايدن الذي انتحل بعض السطور من أحد الساسة البريطانيين عام 1987. لقد تم الحكم عليهم جميعا بأنهم تصرفوا بصورة غير ملائمة، لأنهم استخدموا كلمات وأعمال أشخاص آخرين بدون نسبها إليهم. ومع ذلك، فإن هؤلاء الذين يستخدمون كلمات كاتبي خطابات غير منسوبة إليهم فإنهم يمرون مرور الكرام.

ما هو الاختلاف إذاً؟

إن حقيقة أن الكتاب أعطوا تصاريح للمتحدثين بأن يتظاهروا بأن تلك الموضوعات التي يقرأونها من صنيعهم ليس بالأمر الحسن. وهذا بالضبط ما حدث مع أماكن عمل الأبحاث الفصلية. ولتسألوا وليام ميهين، رئيس جامعة جاكسونفيل ستات، والذي تعرض إلى حرج بالغ عام 2007، وتم شجبه رسميا بعد اكتشاف أن عموده الأسبوعي الذي يكتبه في الصحيفة المحلية كان يكتبه له أحد الخبراء في الجامعة. ولا يمكن تبرير عملية الكتابة على يد طرف آخر، لأنها ليست من قبيل العمل الصحافي أو المنح المدرسية. لقد شبّه بعض الكتاب مهنتهم بأنها مثل كتابة السيناريوهات، وكتابة الحوارات التي تُكتب ليقرأها آخرون. لكن في عالم الترفيه والتسلية، يدفع المتفرجون ثمنا للحصول على المقاعد لمشاهدة العمل الروائي. وهم يعلمون جيدا أن الممثلين ليسوا من كتبوا تلك الأعمال لأنفسهم، هذا بالإضافة إلى أن كتاب القصص والروايات تكون أسماؤهم مدونة على البرامج المسرحية أو على الشاشة. فمتى رأيت أو سمعت أن الكاتب دوّن في نهاية الخطبة أن الخطاب منسوب لجون ماكين أو باراك أوباما. ولا يمكن أيضا أن يكون الاختلاف أن الجماهير السياسية تدرك بالفعل أن الساسة يقومون بتوظيف كاتبي خطابات ليكتبوا عنهم الخطابات التي سيدلون بها.

في الحقيقة، إنه من السهل إدراك متى يقوم الرئيس بوش بالقراءة من إحدى النصوص الأخرى المكتوبة، ومتى يدلي هو بخطاب بإنجليزيته الضعيفة. ولكن كيف يتسنى لنا أن ندرك أن سطرا بعينه، أو أن الخطاب بأكمله جاء من عقل جون ماكين أو باراك أوباما، أو من أحد أعضاء فريق العمل المعين لديهما؟

في كل تلك السنوات الطويلة، كان المحامون في هارفارد يشيرون إلى التفاهم الضمني بين المدرسين والطلاب. فهل من المهم أيضا أن يكون هناك عقد بشأن الصدق والأمانة بين المرشحين للمناصب العليا والمصوتين في الانتخابات؟ عندما اضطر ريتشارد نيكسون إلى قراءة مقالات وليام سافير ـ كاتب المقالات الخاصة به ـ انتهى بنا الحال إلى أننا عرفنا القليل عن سافير، وعلمنا القليل للغاية أو لم نعلم شيئا عن نيكسون. ولتفكر كم كان من الممكن أن نعلم عن نيكسون، وما مدى الاختلاف الذي كان من المحتمل أن يكون عليه التاريخ إذا ما عمد نيكسون إلى قراءة خطابات كتبها بنفسه منذ البداية. وهل يمكن للمقترعين هذا العام أن يكونوا متأكدين أنهم علموا شيئا ما عن سارة بالين الحقيقية عبر خطاب قبولها لترشيح الحزب الجمهوري لها في منصب نائبة الرئيس، بعدما علمنا بشأن الأخبار التي تشير إلى أن كاتب الخطابات ماثيو سكالي كان قد كتب هذا الخطاب في الأصل منذ أسبوع مضى لمرشح من الذكور غير معروف بعد؟ لقد قامت بالين هي وفريق العمل الخاص بماكين بتعديل مسودة الخطاب المكتوبة مسبقا خلال 48 ساعة من أجل التجهيز لإلقائه. إن علماء النفس، وأساتذة التعبير، ومسؤولي القبول بالكليات، والمديرين يعلمون جميعا أنه عندما يتعلق الأمر باستخلاص الحقيقة ومعرفة شيء عن شخصية محددة فليس هناك مؤشر يمكن التعويل عليه أفضل من الكلمات المكتوبة على يد هذا الشخص أصلاً. فلما إذاً نتسامح مع اثنين يتنافسان لشغل أهم منصب في العالم ونحن نراهما يتفوهان بالخطابات التي كتبها لهم أشخاص آخرون؟

وإذا لم يكن بمقدور المرشحين السياسيين الحاليين أن يجدوا الوقت الكافي لكتابة خطاباتهم السياسية، فعلى الأقل يتعين عليهما فعل ما كان الرئيسان تيدي روزفلت، وأبراهام لينكولن يفعلانه، من حيث صياغة الخطابات الرئيسة الكبرى فقط وأكثرها أهمية، وإذا ما كان يتحتم عليهما الاستعانة بكاتب للخطابات، يجب عليهما ذكر اسم كاتب الخطاب في النهاية، ليعلم الجميع المصدر الحقيقي للخطاب.

*خدمة «واشنطن بوست»