أولمرت كمن هدم المعبد

TT

خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ايهود اولمرت، لم يكن تاريخياً وحسب، بل بمثابة خطاب رجل هدم المعبد على نفسه ومَنْ فيه، كيف لا وقد أعلن انتهاء حلم «أرض اسرائيل الكبرى لليهود» وهاجم المستوطنين المتطرفين.

اولمرت أحد الصقور الاسرائيليين، وعمدة القدس السابق، صاحب المواقف المتشددة التي يسجلها التاريخ، عندما يقول «رفضنا رؤية الواقع. رفضنا قراءة الخريطة التي تقول لنا بوضوح إن الزمن لا يعمل في صالحنا»، يكون كلامه مهماً، حتى وهو رجل يخرج من السلطة بتهمة فساد.

يقول اولمرت «كنا نرى أننا أصحاب حق، ولم نر المحيط الأكبر. وأنا شخصياً كنت من المخطئين... كنت أعتقد بأن الأرض الواقعة ما بين البحر (الأبيض المتوسط) والنهر (الأردن)، هي ملك لنا نحن اليهود وحدنا. كنا نحفر في الأرض ونجد الآثار اليهودية في باطنها في كل مكان، ونعتقد بأننا أصحاب الحق التاريخي وحسب. ولكن في نهاية المطاف، وبعد الكثير من العناء والتردد، توصلت الى القناعة بأن علينا أن نتقاسم الأرض مع من فيها. لا نريد دولة واحدة لشعبين».

وهذا الكلام يعني أنه ضرب بعرض الحائط جل الحجج الاسرائيلية لتبرير احتلالهم للأراضي العربية. وبالطبع، فإن اعتراف اولمرت ليس بسبب الخوف على الفلسطينيين، بل هو خوف من واقع ديموغرافي يهدد إسرائيل.

والامر لا ينتهي هنا، فما قاله اولمرت في خطابه لم يجرؤ على قوله حتى وسطاء السلام، وأولهم الأميركيون. صحيح أن بوش هو أول رئيس أميركي نادى بالدولتين، لكن حديث اولمرت كان ادانة أيضا لواشنطن. فعلى عكس المقولة التي رددها الأميركيون والإسرائيليون بأنه لا يوجد في فلسطين أو سورية شركاء سلام، قال أولمرت «في الواقع يوجد اليوم شركاء واقعيون للسلام، سواء كان ذلك لدى الفلسطينيين أو لدى سورية».

كما رمى اولمرت قنبلة أخرى عندما أقر بأن أفضل الطرق لمواجهة قوى الرفض للسلام، في المنطقة هي بإتمام عملية السلام على اعتبار أن «المجابهة مع قوى كهذه ستكون أقوى وأكثر نجاعة عندما نكون قد صنعنا السلام مع الغالبية الساحقة للفلسطينيين».

وهذا ما تقوله دول المنطقة وترفضه واشنطن، ولهذا طرحت مبادرة السلام السعودية التي تحولت إلى مبادرة عربية. إلا أن العناد الأميركي، سياسياً وإعلامياً، بلغ مداه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فبدلا من تسريع عملية السلام اعتبرت واشنطن أن الإرهاب ما هو إلا بسبب خلل في الدول العربية أكثر من كونه أحد افرازات الصراع في المنطقة.

ما قاله اولمرت لا يعيد القدس أو الأراضي المحتلة، ولا هو خطاب إبراء ذمة للرجل بحق ما ارتكبه في منطقتنا، لكنه يعطي العرب وثيقة طالما حاولوا اثباتها، وهي أن التعنت الإسرائيلي هو الذي أطال أمد الصراع.

بكل تأكيد لدينا أخطاؤنا، لكن تصريحات اولمرت مهمة لأنها أعادت للقضية الفلسطينية الشق الغائب من المعادلة، وهو أن الفلسطينيين طلاب سلام. فهل يشرع الفلسطينيون في ترتيب بيتهم للمضي قدماً في تحقيق حلمهم؟ هنا السؤال.

[email protected]