أوباما الشديد الهدوء عليه أن يخوض حربا

TT

حمدًا لله على سارة بالين، فبدون تعبيراتها الساخرة، وتهكمها، ومبالغاتها، وتأثرها بالطابع الريفي، ونفاقها بشأن الأسرة، والحكومة، واستغلالها للأمومة، وهجومها الشخصي على باراك أوباما، فقد كان من الممكن ألا تتوحد وتتماسك قاعدة الحزب الديمقراطي على الإطلاق.

ومن الواضح بكل تأكيد أن أوباما لا يمكنه القيام بمثل هذه الأفعال مطلقًا.

وعلى كل حال، من المستحيل أن يفعل أوباما مثل تلك الأمور لدى ظهوره مع جورج ستيفانوبولوس في برنامج على قناة «إيه.بي.سي» بعنوان «هذا الأسبوع». وهذا مرده إلى أن أوباما هادئ بطبعه، ومختلف، وفوق هذا كله ـ فإنه لا يهتاج، ليس وليد الأمس (أي محنك وحكيم)، ولا يمكن إثارته. كل تلك العوامل نسجت سيلاً جارفًا من الهدوء، جعلني أتساءل وأنا أشاهد التلفزيون ـ كما الأطفال ـ لقد نال أوباما حظًا وافرًا من السخرية والتنمر، فهل سيكتفي بالنظر إلى من تنمر عليه هكذا، ثم يعقد اجتماعاته.

ومن جانبه، حاول ستيفانوبولوس جاهدًا أن يحصل منه على ردة فعل حقيقية، فسأله: باختيار بالين، هل يكون جون ماكين قد اختار شخصية تحظى بالحد الأدنى من «القدرة على أن تصبح رئيسة»؟ والجميع في أميركا يعرف الإجابة عن هذا التساؤل، فهم يعلمون أن ماكين اختار شخصية غير مؤهلة بالمرة، وغير جديرة على ذلك، فهي تتوارى من وسائل الإعلام بسبب أسئلة على شاكلة مكون الكريبتون، ما هو اسمه! ومع ذلك، هل تفوه أوباما بأي شيء من هذا القبيل؟ لقد كانت إجابته على النحو الآتي: «حسنًا، سأدعك تسأل جون ماكين عندما يكون في محطة إيه.بي.سي» يا صديقي، إن بالين لن تنجح في هذا.

ثم راوغ المذيع مرة أخرى سائلاً: وماذا عن الطرح السخيف الذي يشير إلى أنها جديرة ومؤهلة للرئاسة طالما أنها القائد العام للحرس الوطني في ولاية ألاسكا؟ حينها اعتدل أوباما على مقعده وأجاب ستيفانوبولوس.. مثل هذه الأسئلة يجب أن تأتي من وسائل الإعلام، وأوضح قائلاً: «إن هذا يبدو أنه عملك..». إن مثل تلك الإجابات تثير الحزن.

إن ما لا يفهمه أوباما، أنه بذلك يتعرض للهجوم بصورة غير صحيحة وغير عادلة عبر وسائل الإعلام، وهذا التعبير لا ينطبق على تشويه السمعة، بل هو أوقح وأعنف من ذلك. فذلك خوض في مصدر قوة المعارض والافتراء عليه. وهذا ما حدث عام 2004 مع جون كيري، حيث تعرض للهجوم وتشويه سمعته بشأن فيتنام.

تجدر الإشارة إلى أن كيري حصل في حرب فيتنام على أنواط وأوسمة مثل القلوب الأرجوانية الثلاثة، والنجمتين الفضية والبرونزية، كما خرج من الحرب كبطل مشهود عليه. وكان هذا التاريخ هو ما خطط معارضوه على مهاجمته، الأمر الذي سخر منه كيري وتجاهله في البداية. ومن ثم يشير التاريخ إلى أنه خسر الانتخابات الرئاسية.

والآن يخوض معارضو أوباما في مصدر قوته. ففي مؤتمرين للحزب الجمهوري على الأقل، عمد المتحدثون في الحزب إلى السخرية من عمل أوباما، واصفين إياه بمنظم مجتمعي، حيث قال رودي جيولياني: «لقد عمل منظم مجتمعي، وغمر نفسه في ماكينة السياسات بشيكاغو». ثم تابعت بالين بعد ذلك قائلة: «أعتقد أن (وظيفة) رئيس بلدية المدينة الصغيرة، تعتبر مثل المنظم المجتمعي، إلا إذا كانت لديك مسؤوليات حقيقية».

وتحتوي السيرة الذاتية لكل من المرشحين الرئاسيين على ما يثير العجب والدهشة، فليس بمقدور أحد أن يقرأ عن الوقت الذي أمضاه ماكين كسجين حرب في شمال فيتنام، ولا يتساءل: «هل يمكنني القيام بهذا؟» والإجابة بالنسبة للكثير منا: لا بالطبع.

أما بالنسبة لأوباما، فليس هناك ما يعتري شجاعته الحقيقية، وكل ما هنالك هي بعض الالتزامات الأخلاقية. ففي سن الـ22، وعندما كان خريجًا من جامعة كولومبيا، كان قد جمع مبلغًا جيدًا من عمله كباحث مالي، ثم سافر ليعمل مع العاطلين والمبعدين في شيكاغو. لقد علم أوباما ـ والذي ذهب بعد ذلك إلى مدرسة القانون في جامعة هارفارد ـ بدقة ما مدى السلعة القيمة المتمثلة فيه، وكم الأموال التي كان من الممكن له أنه يجنيها. إلا أنه انصرف بعيدًا عن كل هذا ـ أو على الأقل أجّله، وذلك ليس لأن التنظيم المجتمعي كان هو السبيل إلى النجاح السياسي. ومرة أخرى، أريدك أن تسأل نفسك عما إذا ما كنت قد فعلت مثل هذه الأمور.

وهنا يتساءل ستيفانوبولوس ما الذي كان يفكر فيه أوباما عندما سخر منه جيولياني بأنه قام بشيء لم يكن لجيولياني أن يقوم به أبدًا؟ ويقول أوباما في الحقيقة: «إنه أمر مربك». ثم مضى بعد ذلك في سرد تجربته كمنظم مجتمعي، وانتهى بملاحظة قال فيها: «أعتقد أن هذا المجال سيتفق عليه الديمقراطيون والجمهوريون».

حقًا تعرض أوباما للهجوم في سباقه الانتخابي، ولكن تلك الهجمات كانت متقطعة ـ فقد تكون استغرقت 15 ثانية فقط خلال الأخبار المسائية، أو خلال اللقاءات والمقابلات المطولة مثل التي تكون في عروض وبرامج يوم الأحد والتي تم استضافة فيها كلا الرجلين. ونظرًا إلى الفضائل والمزايا الأخلاقية الجلية التي يتمتع بها هذا الرجل، فإنه على ما يبدو يفتقر إلى مهارات القتال. وقد يكون أوباما قلقًا بشأن كيف ستستقبل وترحب أميركا برجل أسود غاضب، أو قد يكون هادئ للدرجة التي لا تجعله يثور أبدًا، ولكن النتيجة أننا لا نعرف إلا القليل عن مدى قابليته للانفعال، أو مزاجه العام: وفوق هذا كله، ما الذي يشغله، أو يهتم بشأنه؟ والإجابة ـ على الأقل بالنسبة لمشاهدي التلفزيون ـ اننا لا نعرف الكثير حول هذا الصدد.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)