الأكراد بين اشتراطات التاريخ والمتغيرات الدولية

TT

ما زالت الحكومة العراقية، الفيدرالية، وعلى الرغم من القيم الديمقراطية التي جاء بها الدستور العراقي والتي تدعي بعض أطراف الحكومة ممارستها والتعددية، إلا أنها ما زالت تتعامل مع بعض مشاكل العراق بعقلية النظام السابق وبعقلية الأخ القوي والأخ الضعيف، وتصنيف المواطن العراقي إلى درجات من غير أن تستوعب العبر من دروس الماضي وما آلت إليه أوضاع البلد من المآسي والويلات والتشتت بسبب سياسات الحكومات السابقة.

وبدلا من إيجاد الحلول المنطقية التي ترضي جميع الأطراف، أخذت «الحكومة الفيدرالية» تتصيد الأزمات الصغيرة لينفخوا فيها الروح ويجعلوا منها معضلة كبيرة لإثارة المشاكل وخلق الأزمات في العراق، وخاصة مع الكورد الذين حولتهم بعض الأطراف الحكومية والبرلمانية الى شماعة يحملونها مسؤوليات ما يحدث، تماما كما فعلت جميع الأنظمة العراقية المتعاقبة وكما تصرفت معهم، وما تزال، دول الجوار بالرغم من طبيعة الشعب الكردي المسالم وفتح أبواب الحوار وإيمانه بمبادئ التعايش السلمي والحضاري والثقافي.

لقد تعرض الشعب الكردي بسبب مبادئه المسالمة للظلم والاضطهاد على مر العصور، فقد كان شعار الثورة الكردية على مر تاريخها «الديمقراطية لكل العراق والحرية لكردستان»، واليوم عندما يطالب بحقوقه المشروعة التي نص عليها الدستور العراقي الذي صوت له غالبية أبناء شعبنا، حيث اعتبر الأكراد العراقيين شركاء في الحكم وفي تحمل مسؤولياتهم وأداء واجباتهم، فانه (الشعب الكردي) يجابه بالرفض وبجدران عازلة ويُتهم بالأباطيل وبحملات دعاية تشوه تاريخه الذي يمتد على ارض ما بين النهرين الى ستة آلاف عام، كما تشوه هذه الحملات صورة المواطن الكردي وإنجازاته الحضارية والراهنة وبسيل من التهم التي لا حدود لها، ليصبح في ما بعد ضحية للمصالح الدولية والإقليمية لوضع العراقيل أمام تقدمه ووضعه على لائحة الانتظار لزمن قادم لحين تتغير المصالح الدولية كي يحصل على حقوقه ولو لوقت قصير.

وحين تعرض الكورد إلى الإبادة الجماعية وعمليات الأنفال والقصف الكيماوي والتهجير، في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية، لم ينبس أحد ببنت شفة لفضح هذه الجرائم التي ارتكبها النظام السابق والحكم الشمولي لأن الدول الكبرى وأميركا كانت مصالحها تتفق مع مصالح النظام السابق إبان تلك السنين، وذلك لوقف الخطر الايراني وتهديدات الثورة الإسلامية ودولة الفقيه في تصدير ثورتهم الى دول الجوار والسيطرة عليها، وحين تغيرت الظروف الجيوبولوتيكية أصبح النظام العراقي يشكل خطراً على المنطقة، فتنفس الكورد الصعداء، إذ أنهم، بالتأكيد سيكون لهم دور مهم في عملية التغيير وشريك ضروري لإنجاح عملية البناء الديمقراطي في العراق بعد التغيير، اذ لا اكتمال للبنية السياسية في العراق من دونهم، وهذا هو الواقع العراقي الراهن سواء شاءت بعض الأوساط والتيارات والكتل السياسية والحكومية والبرلمانية العراقية أو لم تشأ.

إن تهرب الحكومة العراقية من تطبيق المادة 140 وتسويفها سيقود البلد والعملية السياسية والأسس الديمقراطية الى طريق مسدود وملغم بالانفجارات التي اذا اشتعلت، لا سمح الله، سوف تنسف كل شيء بما فيه الدستور العراقي نفسه.

لقد تهرب البعث من اتفاقية العام 1970 ونقض اتفاقية الجزائر عندما شعر بالقوة نتيجة تحالفه من نظام شاه إيران عام 1975، اتفاقية الجزائر، وخاض حرب الثماني سنوات مع إيران، وفي مرات كثيرة شعر نظام البعث بالضعف ودعا الأكراد الى الحوار، وبعد جميع هذه التجارب أليس من الحكمة الاتعاض منها، واتباع سياسة أكثر مرونة بدلا من إصرار بعض الأطراف الحكومية على التمسك بسياسة متشنجة تعيد الى أذهاننا نهج الأنظمة الشمولية، وذلك عن طريق الهجوم على المناطق الكوردية من اجل إبعاد الكورد عن كركوك، ومن جهة ثانية انهم بهجومهم هذا يناقضون أنفسهم، فهم تارة يقولون إن العراق موحد، فلماذا هذا الهجوم على مناطق تتمتع بالأمن والاستقرار الذي تفتقر اليه المناطق الأخرى في العراق، واذا كان هدفهم هو الحفاظ على أمن العراق كما يقولون فأين هم من هجمات تركيا وإيران والقصف المتكرر على كوردستان العراق ابتداء من العام 2003 وحتى الآن؟! فهل قتل الكورد مباح للأتراك والفرس؟! لذا على اعداء الكورد من البعثيين والقومجية ان يعلموا ان عراق صدام قد مات، وهم سيذوبون ولو بعد حين لأن الله شاء أن يعيش في العراق العرب والكورد وباقي الاثنيات والطوائف المختلفة، كل له الحق في ان يعيش بحرية وسلام. هذه هي اشتراطات التاريخ والحداثة والمتغير الدولي.

* باحثة وأكاديمية من كردستان العراق