أخطر من الإرهاب

TT

مشكلة الحكومات واللاعبين الرئيسيين في الأسواق المالية وقت الأزمات هي التنبؤ أو معرفة الوقت الذي تصل فيه الأسواق الى نقطة القاع، أي نهاية الانخفاض أو الأسوأ الذي لا يتوقع بعد خسائر اضافية، وفي أحيان كثيرة تكون التنبؤات خاطئة ويكتشف الناس أن الأرضية التي وصلوا اليها ليست هي القاع، وانما هناك قاع ثاني وثالث الخ.

وفي الأزمة المالية التي تضرب العالم حاليا وتبدو الأسوأ منذ عقود كثيرة يبدو أن الأزمة ليست في نهايتها، وان هناك انهيارات ومتاعب ما زالت في الطريق قبل ان تبدأ الأمور في الاستقرار، ووصفها الان جرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي السابق بانها من نوع الأزمات التي تأتي مرة كل قرن.

فقد صحا العالم أمس على أنباء سيئة من وول ستريت أكبر أسواق العالم المالية مع تعثر أسمين كبيرين في عالم مصارف الاستثمار خلال ساعات وهما ليمان براذرز الذي اعلن إفلاسه ثم شراء ميريل لينش من قبل بنك أوف أميركا لإنقاذها من متاعبها، وكان رد الفعل فوريا على امتداد العالم حيث تعرضت الأسواق الى خضات كانت أشبه باثنين أسود جديد نسبة الى يوم الاثنين الأسود في أواخر الثمانينات عندما انهارت الأسواق، ووصل صدى الأزمة الى أسواق المنطقة من خلال الانخفاضات التي شهدتها البورصات الخليجية أمس، واضطرت بنوك مركزية في أوروبا الى التدخل وضخ عشرات المليارات لطمأنة الأسواق.

وحسب المؤشرات والمعطيات فان ما يواجهه العالم اليوم أكبر من مجرد أزمة فهو إعصار مالي وستكون له تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ايضا على امتداد العالم خاصة انه يأتي مترافقا مع مجموعة ازمات سياسية وأمنية بعضها قائم منذ سنوات مثل قضايا الارهاب وايران والعراق وفلسطين، وبعضها مستجد مثل مخاطر الحرب الباردة الجديدة مع روسيا بعد ازمة جورجيا الاخيرة.

ولا يقل الإعصار المالي الذي يواجهه العالم الان والذي بدأ العام الماضي مع أحد أنواع الرهونات العقارية في أميركا وتأثيرها على المؤسسات المالية هناك، لا يقل في تأثيره وتداعياته عن الأزمات السياسية أو الإرهاب ان لم يكن أخطر. فالأزمات المالية في عالم متصل ببعضه، ينتشر لهيبها بسرعة شديدة عبر البورصات وأجهزة الكومبيوترات في ثوان من سوق الى أخرى تبعد عنها آلاف الكيلومترات، وفي دقائق تكون أموالا هائلة تبخرت وتترك تأثيرها على الاستثمارات والوظائف وحياة الناس ومستويات معيشتهم لفترات، كما انها توفر مناخا لأزمات اجتماعية وسياسية أخطر من الإرهاب نفسه.

وقد لجأت عدة مؤسسات مالية عالمية أمس الى إنشاء صندوق طورائ بـ70 مليار دولار لتوفير سيولة للبنوك عندما تواجه نقصا في السيولة، ولكن الواضح من حجم الأزمة والمؤشرات ان الأسوأ فيها لم يأت بعد وان المطلوب جهد أكبر على مستوى الحكومات في العالم عن طريق مؤتمر دولي أو أي اشكال اخرى من التنسيق لوضع قواعد جديدة تنظيمية، فالمشكلة الحالية هي نتيجة تراكمات سنوات سابقة وأدوات استخدمت في الإقراض تحمل معها مخاطر عالية.