معتقل ولا نفوذ ولا قوى

TT

هناك وجه آخر لقضية سوزان تميم، او بالاحرى لقضية هشام طلعت مصطفى، وهو وجه اجتماعي واخلاقي عميق ومؤثر. انه الشعور بالمفاجأة والاسى الذي ساد المجتمع المصري في صورة عامة، والدائرة السياسية والاقتصادية في شكل عام «من زاوية ان هناك مواطنين منا قد تردوا الى هذا المستوى من الانحطاط».

يلفتنا الزميل اسامة سرايا رئيس تحرير «الاهرام» الى الوقائع الاخرى في الحدث: الى ان المؤسسة الرسمية لم تحاول التستر على متهم هو نائب في البرلمان وعضو في الحزب الحاكم وأحد كبار وأغنى رجال الاعمال. بل هو عومل امام القضاء مثل اي متهم فقير او عادي ولا يملك اي صفة سياسية او اي موقف اجتماعي او مالي.

يقول الاستاذ سرايا: «لم يعد في مصر اصحاب نفوذ او مراكز قوى منذ سقوطها في السبعينات». يذكرنا ذلك بما كتبته الزميلة صافيناز كاظم الاسبوع الماضي عن الصحافيين والسجون ايام الرئيس السادات. فقد كان عليهم ـ وعليهن ـ ان يكونوا على استعداد دائم للتوزع على العنابر والزنزانات في ليمان طرة. ولم يعتقل مثل هذا العدد ايام عبد الناصر لكن سطوة الحكم على القضاء كانت اشد واقسى. وقد ادخل السادات رجلا في حجم محمد حسنين هيكل السجن الانتقامي او الاعتباطي، لكن الضغوط الدولية ساهمت في اطلاقه سريعا، لكي ينتقم بدوره اشد الانتقامات الثأرية من الرجل الذي حل محل عبد الناصر. اما المعتقل مصطفى امين فأمضى سنوات طويلة في السجن، لا تنفع به وساطة او شفاعة او ضغط. وفي كتابه «بين الصحافة والسياسة» لا يبدو مصطفى امين في رؤية هيكل اكثر من كاتب تقارير يرسلها مرة الى عبد الناصر ومرة الى خصومه، او يتوسل بها الابقاء على كرسي او طاولة له في «اخبار اليوم»، اول دار مصرية صحافية كبرى.

لقد كانت «اخبار اليوم» اول دار مصرية كما كان محمد نجيب اول رئيس مصري بعد سلسلة طويلة من الخديويين والملوك الاجانب. وقبل التوأمين مصطفى وعلي امين وما قدماه للصناعة الصحافية الحديثة، كانت الصحافة المصرية لا تزال تحمل اثار اللبنانيين والاجانب، بما في ذلك فاطمة اليوسف، المرأة التي اقتحمت عالم السياسة والصحافة قادمة من المسرح.