المعركة الانتخابية في إيران بدأت مبكرا!

TT

لم يبق حتي الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة التي ستجري في أيار(مايو) المقبل إلا تسعة اشهر، حيث بدأت المعركة الرئاسية قبل أشهر، وها هي قد وصلت الي مرحلة حساسة بدا فيها المرشحون أولى خطواتهم وهي التحدث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، فالرئيس الحالي يتحدث عن إنجازات حكومته طوال ثلاث سنوات، والمعارضة تنتقد الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وتعتبر الحكومة فشلت في إدارة البلاد وحل أزماتها ومشاكلها وعلى رأسها الغلاء والتضخم.

ويستغل المرشحون البارزون للانتخابات الظروف الاقتصادية والسياسية المتأزمة في البلاد لكي يغمزوا من خانة الرئيس احمدي نجاد ووصفه بأنه رئيس غير قادر على إدارة شؤون البلاد وان عهده هو عهد الأزمات تلو الأزمات وزيادة التضخم والغلاء والتخبط الاقتصادي وعدم الاعتماد على الخبراء وإدارة البلاد من دون أي برنامج.

المعركة الانتخابية بدأها الرئيس الايراني السابق، أكبر هاشمي رفسنجاني الذي هزم أمام الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو عام 2005 رغم دعم الإصلاحيين والليبراليين وأعداء التيار المحافظ له وذلك بالتهجم علي احمدي نجاد وتوجيه النقد الشديد لبرامجه.

ومع أن كثيرا من المراقبين لا يرون بأن اكبر هاشمي رفسنجاني سوف يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة مع علمه بأن هناك منافسين أقوياء له مثل الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي الذي لم يعلن حتي الآن عن نيته في الترشح للانتخابات القادمة، إلا أن الرئيس الايراني السابق لا يترك مناسبة إلا ويوجه النقد الشديد الي الرئيس الحالي ويعتبره عاجزا عن إدارة البلاد، خاصة أن أسعار النفط قد ارتفعت في عهده وان عائدات النفط حاليا هي اعلي بكثير مما كانت عليه في عهده.

اكبر هاشمي رفسنجاني تولي رئاسة الجمهورية لفترتين رئاسيتين مباشرة بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية وسمي عهده بعهد البناء، بعدها تولي رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام وهو المجلس الذي يفصل في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، وهو يتولي أيضا رئاسة مجلس الخبراء وهو المجلس الذي يتألف من كبار علماء الدين ومهمته انتخاب مرشد الجمهورية الإسلامية وعزله.

رفسنجاني الذي يعتبر احد رجال الثورة وكان مقربا للإمام الخميني وهو يعتبر الآن أحد الشخصيات الواسعة النفوذ ويحظي باحترام قادة النظام الايراني، يعتبر شخصية براغماتية ويرى بان إيران يمكنها ان تلعب دورا كبيرا في المنطقة وان تكون له علاقات جيدة مع دول الجوار، وخاصة مع الدول الخليجية، وهو أيضا يحظي باحترام قادة دول الخليج ويعتبرونه الشخصية التي يمكن أن تقود إيران مستقبلا. وكان رفسنجاني قد زار المملكة العربية السعودية بدعوة شخصية من العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز للمشاركة في مؤتمر عقد في مكة المكرمة حول الحوار بين علماء الدين.

وكما اشرنا فان رفسنجاني بدأ الهجوم على احمدي نجاد مبكرا، ويرى العديد من شخصيات التيار المحافظ بأن رفسنجاني يريد الانتقام من احمدي نجاد بسبب هزيمته أمامه، ويرى هؤلاء بأن رفسنجاني لا يزال يطمح الي الرئاسة في إيران رغم تقدم سنه و تجاوزه السبعين من عمره.

الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد المعروف بكثرة خطاباته وتهجمه المستمر على إسرائيل وتبشيره بانهيار الكيان الصهيوني قريبا يرد بين الحين والآخر على انتقادات رفسنجاني، من دون ذكر اسمه، بأن يطرح إحصاءات عن إنجازات حكومته خلال السنوات الثلاث الماضية ليرد على من يصف حكومته بالعجز عن إدارة البلاد.

ولكن أنصار احمدي نجاد الذين يسيطرون علي وسائل الإعلام الحكومية رأوا ضرورة القيام بهجوم مضاد على رفسنجاني لإحباط هجومه المبكر والمستمر على حكومة احمدي نجاد، وها هي وسائل الإعلام التابعة للحكومة تبدأ الهجوم المضاد على رفسنجاني وذلك عن طريق نشر مقالات تعدد مثالب حكومة رفسنجاني، كما تنشر سلسلة مقابلات مع شخصيات محسوبة على التيار المحافظ تستطلع آراءهم حول الحقبة التي تولى فيها رفسنجاني رئاسة الجمهورية وما قام به في تلك الفترة، وقد عدد هؤلاء إحباطات حكومة رفسنجاني وعدم قدرته على إدارة البلاد والتضخم الذي كان في عهده والديون التي خلفها بعد انتهاء رئاسته على إيران. من جهته، تولى مدير صحيفة «كيهان» المتشددة، حسين شريعتمداري المعروف بقربه من مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بنفسه الهجوم علي رفسنجاني ووصفه بأنه لم يحفظ الأمانة في نقل كلمات سرية عن مرشد الجمهورية الإسلامية من اجل التهجم على الرئيس محمود احمدي نجاد. واعتبر شريعتمداري رفسنجاني بأنه يستغل علاقته بمرشد الجمهورية الإسلامية لكي يهاجم الرئيس احمدي نجاد.

ويستبعد المراقبون الإيرانيون أن يترشح رفسنجاني مرة أخرى للانتخابات الرئاسية القادمة، بل يرون بأن رفسنجاني بهجومه المستمر على الرئيس احمدي نجاد يمهد السبيل لعدد من مقربيه للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، ومنهم شقيقه محمد هاشمي الذي تولي أكثر من عشر سنين رئاسة الإذاعة والتلفزيون، وهو الآن عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام وأحد زعماء التيار المعتدل وحزب «كارگزاران» المعتدل، أو المسؤول السابق عن الملف النووي الايراني حسن روحاني الذي يعتبر احد الشخصيات المعتدلة وهو عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران ويعتبر من منتقدي الرئيس احمدي نجاد.

أنصار الرئيس احمدي نجاد يتخوفون من احتمال مشاركة الرئيس الايراني، محمد خاتمي، في الانتخابات الرئاسية القادمة، ويرون بأنه سيكون المنافس الأقوى أمام رئيسهم، ويتخوفون من احتمال فوزه في الانتخابات لأن خاتمي لا يزال يحتفظ بشعبيته بين أبناء الشعب الايراني، ويرى العديد من الإيرانيين بأنه بتوليه الرئاسة من جديد يمكنه أن يعيد الهدوء الي البلاد وان يحل القضية النووية عن طريق الحوار لا بطرح الشعارات واستعداء الأوروبيين والأمريكيين.

وتنشر وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة للحكومة وأنصار الرئيس احمدي نجاد أخبارا ومقالات ضد خاتمي، ظنا منهم بأن الهجوم على خاتمي سوف يصرف الإيرانيين عن التصويت لصالحه. ولكن خاتمي الذي يتعرض لهجوم أنصار احمدي نجاد لا يرد عليهم بل انه كالمعتاد يتحدث عن ضرورة ان تسود أجواء الديمقراطية في إيران وأن يسمح للجميع بأن يبدوا وجهات نظرهم وان يشارك من له الأهلية في الانتخابات من دون أن يعلن حتى الآن نيته في الترشح للانتخابات أو عدم ترشحه، ولكن المقربين إليه يرون بأن خاتمي سيدرس جوانب الأمر جيدا قبل اتخاذ قراره بشأن خوض الانتخابات أو عدمه، وانه لن يخوض المعركة الانتخابية إلا إذا اطمأن الى أن ترشحه سوف يخدم إيران.

ولكن الكثير من المراقبين يرون بأن خاتمي سوف يدخل المعركة الانتخابية من أوسع أبوابها لمواجهة الرئيس الايراني الحالي، محمود احمدي نجاد، مستغلا رئاسته لإيران في دورتين، ويرى هؤلاء بأن حظوظ خاتمي للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة كبيرة، خاصة انه حكم إيران لدورتين رئاسيتين ولمدة ثماني سنوات، كما انه سيد من أحفاد رسول الله ويحظي باحترام الجميع، وإضافة الي ذلك فانه شخصية ثقافية معروفة في العالم.

والإصلاحيون يدفعون بمحمد خاتمي الي القبول بالترشح للانتخابات القادمة لأنهم يرون بأن حظوظه كبيرة في ما إذا خاض الانتخابات، ويأملون كثيرا أن يستعيدوا دورهم الذي فقدوه مبكرا وان يهزموا المحافظين، مستفيدين من سخط المواطنين من زيادة نسبة التضخم وغلاء الأسعار.

ومن الشخصيات الإصلاحية الأخرى التي من المحتمل أن تترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة الرئيس السابق للبرلمان الايراني، مهدي كروبي، الذي ترشح في الانتخابات السابقة وهزم أمام الرئيس الحالي احمدي نجاد.

وذكرت الصحافة المحافظة أن الأحزاب الإصلاحية طلبت من كروبي عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة من اجل أن يرشح الإصلاحيون محمد خاتمي كمرشح موحد للتيار الإصلاحي لكي تتوحد صفوف الإصلاحيين في ترشيح خاتمي وتُعبأ كافة الجهود من اجل فوزه في الانتخابات القادمة. ويبدو أن كروبي لن يقبل طلب الإصلاحيين وانه مصمم على الترشح في الانتخابات القادمة ممثلا حزب «اعتماد ملي» الذي يرأسه، مع أن الكثيرين يرون بأن كروبي لن يفوز في الانتخابات القادمة إذا ما ترشح لها.

التيار المحافظ منقسم على نفسه، وهذا الانقسام يظهر جليا في معارضة العديد من زعماء هذا التيار لتوجهات حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد.

ويبدو أن زعماء التيار المحافظ من اجل مواصلة السيطرة على جميع مراكز القرار، وخاصة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، مصممون على ترشيح الرئيس الايراني احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن هذا التيار غير موحد الموقف بالنسبة للرئيس احمدي نجاد، وهناك شخصيات محافظة تعارض سياسات الرئيس الايراني الحالي وتطمح الي سدة الرئاسة، ومن ابرز الشخصيات المحافظة المتوقع أن تترشح للانتخابات الرئاسية محمد باقر قاليباف، أمين العاصمة طهران الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية الفائتة ولكنه لم ينجح أمام الرئيس احمدي نجاد. وهناك من يرى بأن رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، المسؤول السابق عن الملف النووي، سيترشح هو أيضا للانتخابات الرئاسية القادمة الي جانب الرئيس السابق للبرلمان الايراني، غلام علي حداد عادل، المقرب من مرشد الجمهورية الإسلامية.

وهناك أسماء بارزة لشخصيات محافظة، ومنهم وزير الخارجية السابق ومستشار مرشد إيران في الشؤون الدولية علي اكبر ولايتي، الذي من المحتمل أن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أن اسم وزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي مطروح للترشح للانتخابات الرئاسية وهو لم يترشح حتى الآن للانتخابات الرئاسية في إيران،

فالرئيس الايراني احمدي نجاد لديه خطة اقتصادية يسميها خطة التطور الاقتصادي يريد تنفيذها خلال الفترة المتبقية من حياة حكومته، اي خلال تسعة اشهر، وهناك خطة أخرى يود الرئيس احمدي نجاد تطبيقها خلال الأشهر القليلة المقبلة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذه الخطة تشمل توزيع استمارات على 17.5 مليون عائلة إيرانية، حيث يكتب رب العائلة وضع أفراد عائلته وعائدات الأسرة وعدد أفراد الأسرة، ويريد الرئيس جمع هذه الاستمارات ودراستها ودفع دعم مالي مباشر لكل عائلة تستحق الدعم مقابل إلغاء دعم السلع الاستهلاكية التي يستفيد منه كافة الإيرانيين.

ويرى خصوم الرئيس الايراني بأن هذه الخطة، التي بدأ الرئيس الايراني تنفيذها، تهدف الي كسب أصوات الشعب وما هي إلا خطة انتخابية سيستخدمها الرئيس من أجل الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. المهتمون بالانتخابات الرئاسية في إيران يربطون خطط الحكومة ونشاطات معارضيها بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فكل خطوة تقوم بها الحكومة يعتبرها معارضوها خطوة انتخابية، وكل قول أو فعل يصدر من المعارضين لسياسات الرئيس احمدي نجاد، يعتبره أنصار الرئيس موجها ضد الرئيس احمدي نجاد ويخدم أهدافا ومصالح انتخابية.

الكثير من المواطنين، الذين لا هم لهم سوى كسب لقمة العيش، لا يكترثون كثيرا لهذه القضايا، لأنهم يعلمون أن السياسة تعود للسياسيين وأنهم لا يدركون شيئا من السياسة، والأفضل لهم أن ينأوا بأنفسهم عن السياسة ويدعوها لأهلها، والمهم عندهم أن يتمكنوا من كسب قوتهم اليومي من دون الاهتمام بمن يريد أن يترشح ومن يريد أن يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

* كاتب إيراني