مناخ نيويورك

TT

البورصة طاولة قمار باسم آخر يربح فيها قلة ويخسر كثيرون، وفي النهاية يخرج بالمال صاحب «الكازينو». ذابت أسهم «ليمان براذرز» وأصبح 25 ألف موظف في الشارع، ولكن القيمين الحقيقيين على ادارة البنك وضعوا جانباً ما يكفي لانشاء بنك جديد، لا يحمل بالضرورة اسم العائلة.

تصنف واشنطن الدول الاخرى مارقة وغير مارقة. والاقتصاد الاميركي اقتصاد مارق واحتلالي وعبثاً تحاول اقتصادات العالم الفكاك منه. وكانت لديغول وحده الجرأة في المطالبة بإعادة النظر في الترابط الدولي من أجل تجنب التعسف الاميركي وأثره في أسواق العالم. وبعد خروج ديغول بسنوات قليلة، هز ريتشارد نيكسون اقتصادات العالم بقرار ديكتاتوري أرعن وإرهابي.

منذ فضيحة «انرون» أوائل عهد بوش الى انهيار «ليمان براذرز» في نهايته ذابت مئات مليارات الدولارات في غياب الرقابة والآدمية والاخلاقيات. وهناك 30 مليون أميركي يعيشون تحت حافة الفقر ومئات ملايين البشر حول العالم ـ بينهم أشقاء أوباما ـ يعيشون بأقل من دولار في اليوم. كيف سيقرأ هؤلاء هذا السلوك اللاأخلاقي أو الجاهل أو اللامسؤول الذي جعل المؤسسات الاميركية تبدد كل هذه الأموال ثم تتسبب في بدد كميات مشابهة حول العالم، بما فيه آسيا.

في السنوات الاخيرة، شهدنا عمليات دمج هائلة بين الشركات الكبرى، لا مبرر لها سوى عدميات الجشع اللاأخلاقي. فقد تعاونت الشركات الكبرى على رفع رساميلها بلا حدود والاستغناء عن عشرات الآلاف من العمال دون أي مبرر اقتصادي سوى عشق الارقام المكدسة. وكشف النظام الاقتصادي الاميركي عن تمادٍ شديد الخطورة في سحق الفرد والفرص وإمكانات الجماعات الصغيرة على البقاء. لكن الخطر الأكبر ظل في تأثير السوق الاميركية على اسواق العالم. خطأ فادح في السوق المارقة يجرد الماليزيين والفرنسيين والبوليفيين من نصف مدخراتهم على الاقل. في يوم واحد بدت أكبر بورصات العالم في التاريخ مثل «سوق المناخ» الشهيرة في الكويت أوائل الثمانينيات. أرقام مرعبة مكتوبة على ورف أبيض بسيط تأكيداً للثقة العمياء بالنفس وتعالياً على أصول التعامل المتفق عليها بين الناس. وفجأة لا ورق ولا أرقام ولا سوق بل ديون هائلة تثقل الجميع. وهذا تماماً ما حدث في نيويورك. لكن بحجم أكبر ولغة أخرى.