نجاح الغرب في أفغانستان يتوقف على «رضا» الروس

TT

خلال هذا الشهر بدأت الطائرات من دون طيار، الاميركية شن غارات داخل باكستان في المناطق الحدودية، وقُتل في احداها 22 مدنياً بينهم نساء واطفال، واضطرت واشنطن لاحقاً الى الاعتراف بأن المصوبين اخطأوا الهدف.

تغير مجرى العمليات العسكرية الاميركية في جنوب شرقي آسيا بعد احداث جورجيا، التي بدت فيها اميركا ضعيفة وروسيا قد استعادت قوتها.

بعض الخبراء العسكريين ربطوا الموقف الاميركي تجاه احداث جورجيا، بالحرب في افغانستان، فالولايات المتحدة لا تستطيع التحكم بالوضع في افغانستان طالما ظلت «طالبان» و«القاعدة» تتخذان من باكستان مقراً او منطلقاً لعملياتهم.

ان افغانستان تتفكك، وعادت تشكل الخطر الأكبر، وظهرت باكستان عاجزة عن التعامل مع «طالبان»، ولم يعد امام الولايات المتحدة من خيار الا إما التخلي عن افغانستان او الاستمرار في شن عمليات عسكرية على مقرات «طالبان» في باكستان، فهؤلاء يزدادون قوة وان كانوا لا يهددون بعد نظام حامد كرزاي.

يقول لي مصدر عسكري غربي، ان من بين الاسباب التي جعلت اميركا تكتفي بالتنديد بالغزو الروسي لاجزاء من جورجيا (جنوب اوسيتيا وابخازيا)، هي حاجتها وحاجة الحلف الاطلسي الى موسكو في الامدادات اللوجيستية لافغانستان، ويضيف، ان من اسباب السخاء المادي (عشرة مليارات دولار) لباكستان، في «الحرب على الارهاب»، ايضاً الحاجة لباكستان للامدادات اللوجيستية للجيوش المرابطة في افغانستان، «وقد يكون التحقيق الذي نشرته «نيويورك تايمز ماغازين» في الحادي عشر من هذا الشهر، القشة التي قصمت ظهر البعير حيث، انكشفت على الملأ رغم ان الامر كان معروفاً، اللعبة المزدوجة التي كانت تلعبها باكستان (مشّرف) واجهزة استخباراته، حيث كانوا يتلقون المال، ويزودون «طالبان» بالمعلومات، ويستهدفون في عملياتهم العسكرية العرب والاوزبك، مما ادى بـ«طالبان» الى اقامة قواعد قوية لهم في المناطق القبلية الباكستانية ومنها ينطلقون في عمليات ضد افغانستان».

في 21 من الشهر الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان روسيا ليست في حاجة الى الحلف الاطلسي بقدر حاجة الحلف اليها. بعد ذلك بخمسة ايام قال المبعوث الروسي للحلف، ديمتري روغوزين ان روسيا ستوقف تعاونها مع الحلف «انما تستمر بالتعاون مع الغرب في افغانستان».

حسب المصدر العسكري، فان روسيا قادرة على ان تعرقل اكثر، الوضع اللوجيستي المعقد اصلاً التي تواجهه العمليات العسكرية الغربية في افغانستان.

ان الحرب في افغانستان تمثل تحدياً لوجيستياً ضخماً لقوات الاطلسي والقوات الاميركية. فافغانستان لا تطل على اي منفذ مائي، وهي بلاد محاطة بالجبال، ولا تربطها بالعالم طرقات او سكك حديد وهذه تشكل مصاعب للولايات المتحدة التي تستمد قوتها اللوجيستية من تحكمها بالبحار.

حالياً هناك ما يزيد عن 50 الف جندي تابعين للاطلسي، اضافة الى القوات الاميركية مع دباباتهم وآلياتهم المتحركة، ورغم ان الامدادات الجوية على مدار الساعة، تصل الى قاعدة «باغرام» الجوية شمال كابول، الا ان هذه لا تكفي لإمداد هذا العدد من القوات.

ولأن خطوط الامدادات اساسية في الحرب، فان الولايات المتحدة والحلف الاطلسي يعتمدان لوجيستياً على طريق جنوبية عبر باكستان، او على طريق شمالية اكثر طولاً وتعقيداً عبر تركمانستان، واوزبكستان وطاجيكستان.

إن الكمية الأضخم من الوقود التي تستعملها قوات الأطلسي والقوات الأميركية في أفغانستان يتم تكريرها في باكستان، وتقوم يومياً حوالي 300 شاحنة بنقل ما لا يقل عن ثلاثة ملايين غالون من الوقود الى القواعد العسكرية في افغانستان، وهذه طريق امدادات طويلة، ثم ان اغلبية الامدادات الاخرى تصل الى مرفأ كراتشي وتعبر الى افغانستان عبر طريقين. القسم الاكبر يتجه شمالاً عبر باكستان ويعبر الى افغانستان بالقرب من كابول، والقسم المتبقي يتجه جنوباً على طريق يؤدي الى قندهار، ثم ان خطوط السكك الحديدية تصل المدن القريبة من باكستان بعضها ببعض، لكنها لا تمتد الى افغانستان.

ما تبقى من حاجة الاميركيين والاطلسي في افغانستان للوقود يتم تكريره في اذربيجان وتركمانستان ويشحن براً عبر تركمانستان او اوزبكستان وكل هذه الدول لا منافذ مائية لها، لكن، اذا انهار الوضع في باكستان وانتشرت العمليات القتالية فيها، وازدادت قوة «طالبان» وعجزت الحكومة عن السيطرة على الاوضاع، ستحتاج الولايات المتحدة الى نقل الامدادات بالسفن عبر البحر الاسود، ومن ثم شرقاً عبر القوقاز وبحر قزوين ثم تركمانستان. ومع ان هذه ستطيل كثيراً خطوط الامدادات الا انها تحتاج الى تعاون وموافقة من جورجيا واذربيجان وبالتالي من روسيا.

حالياً تسمح روسيا للشاحنات غير العسكرية بعبور اراضيها للوصول الى افغانستان عبر آسيا الوسطى في ظل اتفاقية عام 2006، وتسمح ايضاً للحلف الاطلسي باستئجار طائرات نقل روسية واوكرانية.

وعودة الى الموقف الاميركي المتردد تجاه ازمة جورجيا، والى تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف، والمندوب الروسي في الاطلسي روغوزين وفيها تهديدات مبطنة الى الاطلسي والولايات المتحدة بأن تعاون روسيا ليس مضموناً، تتبين الحاجة الاميركية، رغم الاخطار المترتبة عليها، الى حكومة باكستانية تنفذ التزاماتها في مواجهة الارهاب و«طالبان».

ويقول الخبير العسكري الغربي، ان طرق الامدادات عبر باكستان مستمرة، رغم تهديدات رئيس الاركان الباكستاني اشفق برويز قياني. فقد اعلنت اسلام آباد في اوائل هذا الشهر، انه بسبب الهجوم الاميركي البري على جنوب وزيرستان، قررت باكستان وقف امدادات الاطلسي الى افغانستان، لكن هذا المنع لم يستمر الا بضع ساعات، واستؤنف بعدها، كما تلته غارات جوية اميركية منها واحدة شمال وزيرستان ادت الى مقتل عشرة مدنيين.

لكن، يضيف محدثي، ان اي خطوة من موسكو لاغلاق طريق الإمدادات الشمالي (عبر تركمانستان، وأوزبكستان وطاجيكستان) ستسبب المزيد من الضغوط على نظام الإمدادات اللوجيستية الكثير التعقيد، خصوصاً إذا تدهور الوضع في باكستان إلى درجة لم يعد معه ممكناً استعمال طرق الإمدادات فيها. ان الأطلسي والولايات المتحدة مدركان للقضايا اللوجيستية المعقدة في افغانستان، ويراقبان الوضع المتردي في باكستان، ولا يتحملان بالتالي نشاطاً روسياً ضدهما في تلك المنطقة.

الاربعاء الماضي اعلن رئيس اركان الجيوش الاميركية الادميرال مايكل مولن عن استراتيجية اوسع تغطي جانبي الحدود الافغانية ـ الباكستانية. بعدها كُشف النقاب عن ان الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش اعطى موافقته السرية في شهر تموز (يوليو) الماضي لقيام القوات الاميركية الخاصة بعمليات داخل الاراضي الباكستانية، وتبين في ما بعد، ان الحكومة الباكستانية دعمت القرار.

منذ سنوات والقوات الاميركية الخاصة تقوم بعمليات داخل الاراضي البااكستانية، لكن الفرق هذه المرة هو ان هذه الازمة تتصاعد والوضع السياسي والامني والاقتصادي في باكستان يتردى.

من جهة اخرى، فان الولايات المتحدة تعترف بأنها تكاد تفشل في افغانستان. وبسبب افغانستان بالذات، والى درجة ما بسبب العراق، تراجعت امام روسيا في جورجيا والقوقاز، وهي تحتاج الى استئصال «طالبان» و«القاعدة» من باكستان، وتريد ان تبلّغ باكستان بأن لقاء الرئيس الباكستاني الجديد آصف زرداري والرئيس الافغاني حامد كرزاي لا يكفي لذر الرماد في العيون الاميركية، وانه اذا كان الباكستانيون عاجزين عن القيام بمهمة مواجهة «طالبان» فانها هي قادرة، وبالتالي فان الطريق الى استتباب الوضع في افغانستان يمر في باكستان وعبر ارضاء روسيا. اما زرداري فمع موافقته الضمنية على هذه الخطة، إلا انه يريد ان يظهر بأنه لن يترك باباً من دون ان يطرقه، من هنا جاءت زيارته الى لندن يوم الثلاثاء الماضي. لندن كانت الدولة الأطلسية الوحيدة التي وافقت على الخطة الاميركية الجديدة، لكن زيارة زرداري قد توترها نظراً لوجود مجموعات باكستانية في بريطانيا متعاطفة مع «طالبان» و«القاعدة».

لقد فتح ملف باكستان على مصراعيه الآن.