لماذا «القوات الدولية» مطلب رئيسي للقيادة الفلسطينية؟

TT

إحدى النقاط التي أثيرت في الاجتماعات التي عقدتها كونداليزا رايس مع الفلسطينيين والإسرائيليين خلال زيارتها الأخيرة إلى المنطقة هي مسألة الاستعانة بقوات دولية إن ليس في غزة بسبب الأوضاع القائمة فيها في ظل حكم حركة حماس ففي الضفة الغربية فالجانب الفلسطيني أبلغ وزيرة الخارجية أنه ربما يتم التوصل الى اتفاق بالنسبة للحل المنشود ولكن تطبيق هذا الاتفاق وتنفيذه يتطلب وجود هذه القوات كطرف محايد من المفترض ان يكون مقبولاً من الجانبين. لم يشترط الفلسطينيون هوية محددة لهذه القوات وهم قالوا لوزيرة الخارجية الأميركية، التي استهوتها هذه الفكرة كما يقال، انه بالإمكان ان تكون تابعة للأمم المتحدة أو لحلف الأطلسي أو ان تكون أميركية أو عربية ترتدي القبعات الدولية الزرقاء».. إن المهم ان تكون هناك جهة محايدة تضبط الأوضاع في المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن ينسحب خلالها الإسرائيليون من الأراضي التي ستقوم فوقها الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة وفقاً لبنود الحل الدائم الذي تتواصل المفاوضات لإنجازه.

تقول وجهة النظر الفلسطينية التي أُبلغت لوزيرة الخارجية الأميركية إنه ثبت بالتجارب منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 أن الإسرائيليين لا يلتزمزن بأي اتفاق وانه ما أن يتوصل المتفاوضون الى أي إنجاز حقيقي حتى يواجهوه بالمماطلة والتسويف الى ان يعيدوا كل شيء الى المربع الأول والى نقطة الصفر وتستشهد وجهة النظر هذه لتأكيد صحة ما تقوله بأنه كان مفترضاً ان تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة في عام 1997 لولا المماطلات والألاعيب الإسرائيلية.

وإزاء هذا الذي قاله الفلسطينيون والذي هناك معلومات مؤكدة بأنهم استمزجوا بشأنه بعض الدول العربية المتابعة لهذا الامر عن كثب، ومن بينها السعودية والأردن ومصر، فإن رايس التي استقبلت هذه الفكرة بالمزيد من التفهم والحماس أيضاً لم تلزم نفسها بأي وعد أو تأكيد وان كل ما قالته هو أنها ستطرح هذه المسألة على الإسرائيليين وأنها لدى عودتها الى بلادها ستتحدث بشأنها مع الرئيس جورج بوش ومع كل المعنيين بالوضع في الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية. هذا بالنسبة لموقف وزيرة الخارجية الأميركية أما بالنسبة للموقف الإسرائيلي فإن بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين يقولون إنهم لم يلمسوا رفضاً إسرائيلياً واضحاً وصريحاً لهذه الفكرة وانه عندما فاتح الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) رئيس الوزراء «المـُغادر» إيهود أولميرت بمسألة ضرورة الاستعانة بقوات دولية إن ليست تابعة للأمم المتحدة فأطلسية أو أميركية فإن هذا الأخير لم يبد أي معارضة وأنه لم يقل أي شيء لا سلباً ولا إيجابياً وانه اكتفى بالصمت الذي يعتبر في بعض المواقف علامة الموافقة والرضا ولكن ربما ليس بالنسبة لهذه الحالة وليس بالنسبة لهذا الموقف.

في كل الأحوال، ورغم كل التصريحات المتشائمة التي يحرص المسؤولون الفلسطينيون على الإكثار من إطلاقها في هذه المرحلة المتأرجحة حيث الوضع الإسرائيلي مقبل على تغييرات كثيرة وحيث انتخابات الرئاسة الأميركية غدت على الأبواب، فإن هناك تأكيدات يمكن الوثوق بها بأن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية المتواصلة والمستمرة قد أحرزت تقدماً بالفعل وان هذا التقدم شمل النقطتين العالقتين الأكثر تعقيداً وصعوبة وهما مسألة اللاجئين ومسألة القدس.

بالنسبة للمسألة الأولى تقول هذه التأكيدات إنه تم الاتفاق مبدئياً على ان حق العودة الى الأراضي التي احتُلت في عام 1948 (إسرائيل) سيقتصر على أعداد سيتم الاتفاق بشأنها لاحقاً وانه بالإمكان تجميع العائدين في مدينة خاصة بهم تقام داخل الخط الأخضر في المناطق المتاخمة للضفة الغربية أما بالنسبة للعودة الى الدولة الفلسطينية المنشودة فإنها ستكون مفتوحة مع إعطاء الأولوية للاجئين في لبنان الذين تشير التقديرات المعقولة إلى أن عددهم لا يتجاوز الربع مليون نسمة. أما بالنسبة للمسألة الثانية التي هي مسألة القدس فإن المعلومات تتحدث عن اقتراحات تتسم بالاعتدال والمرونة من قبل الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وأن هذه الاقتراحات تتراوح بين أن يكون ما يسمى بالحوض المقدس منطقة ثنائية الإدارة ومفتوحة لكل أتباع الديانات السماوية أو ان يكون منطقة دولية لا تخضع لا للإدارة الفلسطينية ولا للإدارة الإسرائيلية مع تحديد بعض المناطق المقدسة ليكون الإشراف الديني عليها للإسرائيليين ومنها المقبرة اليهودية الواقعة في راس العمود وللفلسطينيين بالنسبة للمقدسات الإسلامية والمسيحية. ثم وحسب هذه التأكيدات أيضاً فإن هناك تقدماً بالنسبة لأراضي الضفة الغربية التي من المفترض أن تقوم فوقها الدولة الفلسطينية المنشودة وهنا فإنه لا بد من التذكير بأن وزيرة الخارجية الأميركية كانت أبلغت الفلسطينيين والإسرائيليين في زيارتها الأخيرة هذه المشار إليها بموقف بلادها الذي لا يقبل المراجعة بالنسبة لثلاث قضايا رئيسية هي:

أولاً، إن حدود هذه الدولة المستقلة المنشودة هي حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وان نسبة الأراضي الخاضعة للتبادل يجب ان تكون بحدود أربعٍ في المائة من أراضي الضفة الغربية.

ثانياً، لن يكون هناك أي وجود إسرائيلي داخل هذه الدولة لا أمني ولا عسكري لا في هيئة نقاط مراقبة ولا لأسباب بيئية وهذا يشمل منطقة الأغوار المحاددة للأراضي الأردنية الواقعة الى الشرق من نهر الأردن.

ثالثاً، يجب ألا تشكل هذه الدولة أي خطر أمني على إسرائيل وهي بالضرورة يجب ألاَّ ترتبط بأي أحلاف خارجية لا إقليمية ولا دولية ويجب ألا تكون مسلحة إلا بأسلحة خفيفة يقتصر استخدامها على فرض الأمن والاستقرار في إطار حدود هذه الدولة الفلسطينية المستقلة.

إن الفلسطينيين يعترفون بأن هذه النقاط تشكل تقدماً فعلياً لكنهم يقولون إن المشكلة تكمن في ان التجارب تجعل أنه لا يمكن الاطمئنان للإسرائيليين الذين كلما قطعوا عهداً نكثوه في اليوم التالي والذين يصرون على ترك ولو ثغرة صغيرة في أي اتفاق يتم التوصل إليه لينفذوا منها لاحقاً للتملص من هذا الاتفاق والعودة بالوضع إلى نقطة الصفر وهذا هو سبب الإصرار الفلسطيني على ان تكون هناك جهة دولية ضامنة وأن تكون هناك قوات دولية لتنفيذ الحلول التي يتم التوصل إليها وفقاً لجداول زمنية محددة.

إنه ورغم كل هذه التأكيدات المتعلقة بهذا التقدم الذي قد يتبلور في هيئة اتفاق إطار إن هو تم فعلاً خلال الأيام الأربعة المقبلة، وهذا يحتاج الى معجزة فعلية، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش سيذهب به في رحلة الوداع إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر ليعلنه كإنجاز دولي لإدارته التي ستغادر البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة وهي مثخنة بجراح كثيرة.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن قطاع غزة أصبح فعلياً خارج كل هذا الذي يجري الحديث عنه وبخاصة القوات العربية أو الدولية المقترحة فدولة حماس ترفض كل شيء وإلحاق غزة بالضفة الغربية بالنسبة لهذه الحلول التي يجري الحديث عنها متروك للزمن ولتطورات المستقبل والمؤكد في ظل هذا كله ان التاسع من يناير (كانون الثاني)، حيث تصر حركة المقاومة الإسلامية على أنه سيكون نهاية ولاية الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، سيصبح أحد أخطر المنعطفات في تاريخ القضية الفلسطينية.

إن ما قاله خالد مشعل في دمشق مساء يوم السبت الماضي هو أخطر ما واجهه الوضع الفلسطيني منذ عام 1974 فالقول إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليست شرعية وإن محمود عباس (أبو مازن) لن يكون بعد التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل رئيساً شرعياً هو دعوة للعرب وللعالم كله لسحب الاعتراف بالسلطة الوطنية وبمنظمة التحرير وهذا معناه، إن هو تم فعلاً، تدمير إنجازات الشعب الفلسطيني على مدى نصف قرن بأكمله والعودة بهذه القضية إلى مراحل التمزق وغياب الممثل الشرعي والوحيد وهو ما تتمناه إسرائيل وبقيت تنتظره منذ ظهور حركة المقاومة الإسلامية في عقد ثمانينات القرن الماضي.