«سوء» الأسهم العالمية!

TT

كالصفعات المؤلمة توالت توابع زلزال تدهور الاقتصاد الأمريكي على بورصات العالم بدون رحمة ولا هوادة، ولم يستثن منها أحد. أزمة الرهن العقاري في أمريكا وأثرها على المؤسسات المصرفية من الواضح جدا أنها خرجت من إمكانية السيطرة عليها أو التعامل معها على أنها حدث عابر أو زلة اقتصادية ستستطيع تصحيح نفسها بنفسها. واليوم مع إدارة أمريكية غير مؤهلة للتعامل مع الأحداث والأزمات الهائلة من المتوقع أن يكون هناك المزيد من التكاليف والمآسي التي ستلحق باقتصادات أمريكا والدول المرتبطة بها، لأن ما عرف عن حجم الأزمة هو أقل القليل، علما بأن هذه المشكلة تتفاقم منذ أكثر من شهر حتى وصلت الامور الى ذروتها بهذا الشكل. ولكن الغريب والمثير للدهشة هو أن التدخل الرسمي من قبل السلطات الامريكية لإنقاذ بعض الشركات يحمل في شكله علامات التأميم والمنظومة الاشتراكية وهو بعيد تماما عن قوانين ونظم السوق الرأسمالية التي كانت تفتخر بأن الشركات تعيش وتموت بنفسها وبدون تدخل من الحكومات. العولمة الشرسة تفترس الشركات والاسواق الصغيرة، والمناداة المستمرة بإزالة القيود والتشريعات، وإطلاق قوى السوق بشكل مفتوح، حوّلت الأسواق الى حال من الفوضى غير المقننة وبالتالي أوجدت الذريعة والمناخ المناسب لتفتيت الثروات وتدمير المدخرات. ليس مفهوما الخط الانتقائي الذي يتشكل للحكومة الأمريكية فتختار نجدة بعض الشركات وتدع غيرها يسقط، فها هي تتدخل لإنقاذ شركة AIG عملاق التأمين الأمريكي وذلك بضخ 85 مليار دولار فيها وتترك شركة «ليمان براذرز» تهوي وتشهر افلاسها، وبالرغم من كل ذلك يكافأ رؤساء الشركات المساهمة المدمرة بمكافآت مالية مهولة وغير مسبوقة. هناك خلل واضح في القطاع المالي الأمريكي اليوم والثغرات الموجودة فيه كفيلة بالسماح للعديد من المخالفات والتجاوزات الخطيرة والتي لها آثار مدمرة ليس على الصعيد الأمريكي المحلي فقط ولكن حتى دوليا. واليوم هناك مطالب جادة بأن يكون للقطاع المالي نصيب من الاصلاحات التنظيمية والتغيرات التشريعية أسوة بما حدث مع قطاعات النقل والطيران والنفط والهاتف وغيرها. وكان دوما الحديث عن أنه إذا «عطست» أمريكا أصيب العالم بالزكام ، ولكن الآن يبدو الوضع أكثر تعقيدا، فأمريكا نفسها أصيبت بالزكام وبالتالي ماذا يكون مصير العالم. الإخفاق المالي الحاصل الآن قد يتحمل جزء من مسؤوليته آلف جرينسبان «جهبذ» البنك الفيدرالي الأمريكي الاتحادي الأسبق والذي استمر في تخفيض نسب الفائدة مما جعل الاقتراض مغريا وسهل بالتالي حدوث كرة الثلج المهولة، ولكن من المؤكد أن السياسات المالية لإدارة جورج بوش الحالية ساهمت في إبقاء مناخ الاقتصاد والمال بالولايات المتحدة الامريكية مناخا متوترا وقلقا، ما أثر على نفسية الناس وثقتهم وهي مسألة انتقلت الى الأسرة الدولية بطبيعة الحال. الازمة الاقتصادية الحالية هي صفحة جديدة في إخفاقات أسوأ إدارة في تاريخ أمريكا، ولكن يبقى الرهان على قدرة أمريكا على نقد نفسها وتصحيح إخفاقها.

[email protected]