في ما يتعدى سلاح حزب الله

TT

لم يبقَ سوى «الحوار» عنوانا سياسيا يتفق عليه اللبنانيون في العقد السادس لمولد دولتهم. وإذا كان هذا الاتفاق متاحا حتى الآن فلأنه لا يتجاوز التوافق على طرح هواجسهم على طاولة حوار ـ بيضاوية هذه المرة ـ وليس بالضرورة الاتفاق على حلها.

لا جدال في ان هاجس الجميع اليوم، وعمليا هاجس الكيان اللبناني ذاته، هو سلاح حزب الله المجلبب – وربما المتستر ـ بعباءة الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان.

ولا جدال ايضا في ان الخطوط العريضة لأي استراتيجية دفاعية للبنان ما بعد الطائف والدوحة لا بد وان تنطلق من رؤية قومية متوازنة لدور لبنان على الخريطتين العربية والإقليمية تأخذ في الاعتبار طاقاته البشرية وقدراته القتالية ومعطياته الاقتصادية في آن واحد.

ورغم أن هذه الرؤية تخضع لتقويم سياسي لدور لبنان في المدى العربي الشرق أوسطي على الأقل، ورغم أن مصداقية هذه الاستراتيجية ترتهن بوحدة قيادتها وقاعدتها، فإن الاكتفاء بالسياسيين فقط في تحديد مضمونها يبقيها في إطار الحلقة الحزبية المفرغة التي تدور فيها منذ جلسات طاولة الحوار الأولى عام 2006.

بأي منطق كان يفترض ان يكون منطلق البحث في أي استراتيجية دفاعية «واقعية» ـ بمعنى أن تكون مفصلة على مقاس لبنان ـ هو تقويم المؤسسة العسكرية لقدرات لبنان الدفاعية ولمقومات صموده في ضوء تشخيصها للمخاطر الخارجية المحتملة.

لذلك يبقى أي بحث جدي في استراتيجية لبنان الدفاعية منقوصا ما لم يقترن بدراسة عسكرية معمقة لكل جانب من جوانب معطياتها.

ومع التسليم بان «الحالة اللبنانية» تستوجب توافقا سياسيا شبه إجماعي على أي استراتيجية «دفاع وطني»، يظل تقويم المؤسسة الأولى المعنية بهذا الشأن، أي الجيش اللبناني، لطاقات لبنان، العامل الأساسي في صياغتها.

معضلة لبنان المزمنة أن كل أمر فيه يسيّس. ولذلك لا يبدو غريبا على اللبنانيين أن تنعقد جلسات حوار مصيري حول وطنهم بغياب المحاور الأساسي فيه، أي قيادة الجيش وهيئة اركانه. ورغم ان الخلفية العسكرية للرئيس ميشال سليمان تعوض من وطأة هذا الغياب فإن صفته كراع للحوار تحد من قدرته على القيام بدور المساهم العسكري الأساسي فيه، وان كانت لا تلغيه إن شاء الرئيس أن يظل قرار طاولة الحوار النهائي في يده ـ وهو حق من حقوقه كرئيس للبلاد وقائد أعلى للجيش اللبناني.

ولكن، سواء قرر المحاورون السياسيون في قصر بعبدا أن يكون لبنان دولة مقاومة أو دولة مواجهة أو دولة ممانعة أو حتى دولة مسايرة، من نافلة القول ان «الدولة» تبقى الاطار الوحيد ـ الوطني والمؤسساتي معا ـ لأي استراتيجية دفاعية جدية.

انطلاقا من مرجعية الدولة فقط يمكن التخطيط ليس لاستراتيجية دفاعية للبنان فحسب بل أيضا لمستقبل لبنان ككيان جغرافي ـ اجتماعي (ولا نقول قومي) آن الأوان لأن يتجاوز ابناؤه تبعات «الخطيئة المميتة» التي ارتكبها بحقهم، عام 1916، وحق الشرق الاوسط كله، البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو، وأن ينعتقوا من وصاية الخارج وضغوط قوى الامر الواقع المستقوية بالخارج في تقديم مصلحة «الدولة» على أي مصلحة أخرى.

في هذا السياق قد يكون التحدي الاكبر الذي يواجهه حزب الله في مؤتمر الحوار الوطني ليس موضوع نزع سلاحه او تحديد مهامه بل مدى استعداده للانتقال من ذهنية لبنان «الساحة» الى منطق لبنان «الدولة».. فهل يصح التوقع بان يصبح حزب الله أقرب اليوم إلى القبول بمرجعية الدولة مما كان عليه في السابق بعد تجربة السنتين اللتين أمضاهما في مناورات سياسية ـ أمنية مرهقة لاقتطاع موقع تقريري له ولحلفائه داخل الحكومة اللبنانية (عبر الاستئثار بالثلث المعطل فيها)، خصوصا أن حلفاءه ينادون جميعهم بالحرص على مؤسسة الدولة؟

غني عن التذكير بان التحولات الاقليمية المتسارعة وما قد تحمله من «مفاجآت» (قد لا يكون أمرّها التوصل إلى سلام سوري ـ إسرائيلي) تجعل من مصلحة حزب الله، قبل غيره في لبنان، المساهمة في قيام الدولة القوية القادرة على حمايته من تقلبات الزمان.