نجاح تريغ

TT

بالإضافة إلى صنع باراك أوباما للتاريخ بعد أن أصبح أول أميركي من أصل أفريقي يتم ترشيحه لشغل منصب رئيس الولايات المتحدة، فإن هناك عائقا آخر للحقوق المدنية تم اجتيازه خلال المؤتمرات السياسية هذا العام.

فقد حطم تريغ باكسون فان بالين ـ والذي وصفته أمه بأنه «جميل» و«رائع» كما نال تصفيق من حضروا المؤتمر الجمهوري ـ الحائط الكرموسومي. وكانت تلك الخطوة بمثابة تحرك كبير لدعم براءة وعدم اختلاف هذا الزعيم للحقوق المدنية والبالغ من العمر 4 أشهر. ولم تكن الأمور تسير في العادة بمثل تلك الطريقة، فقد كانت أخت جون كينيدي الصغرى روزماري ـ التي ولدت عام 1918 ـ تعاني من إعاقة ذهنية، وهو ما اعتبرته الأسرة سرا لا يجب الكشف عنه. ولعقود طويلة تم إخفاء روزماري نظرا لأنها كانت «ضحية للالتهاب السحائي أثناء الطفولة». وعندما بلغت سن الـ23 عاما أخضع جوزيف كينيدي ابنته لعملية صعبة في فصوص المخ. ثم جاء عام 1962، لتصبح يونيس كينيدي شريفر أول من تحدث علانية عن حالة أختها، ثم اتجهت بعد ذلك لتقديم الألعاب الأوليمبية الخاصة كمعسكر صيفي في الفناء الخلفي لمنزلها؛ لتكون بمثابة حركة اجتماعية كبيرة تهدف إلى إبداء الشفقة والحنو وتضمين المعاقين.

إن اللحظة التي ظهر فيها تريغ أمام الأضواء تعتبر حدثا مهما لتلك الخطوة، إلا أنها أتت في وقت متناقض. وعلى نقيض ما تم الاتفاق عليه في السابق، تقلصت سريعا عمليات الحماية التي يقدمها الأميركيون الأفارقة، والنساء وجماعات الحقوق المدنية لمن يعانون من متلازمة داون أو العته المنغولي على مدار العقود القليلة الماضية. فمن بين حالات العته المنغولي التي يتم تشخيصها عبر فحص الآباء كل عام، يتم التخلص من 90% من تلك الحالات عبر الإجهاض.

ولا شك أن الآباء ينظرون إلى تشخيص تشويه الكروموسومات البالغ عددها 47 على أنه نهاية حلم بدلا من كونه بداية حياة جديدة. ومع ذلك، فإن الأطفال الذين يولدون بمتلازمة داون ـ والذين يتعلمون ببطء إلا أنهم يحبون بعمق ـ لا يعاملهم آباؤهم على أنهم لعنة، وإنما على أساس أنهم نعمة ذات وجهين. وعندما يعيشون، فإن الرجال والنساء ذوي الكروموسومات الزائدة يعتبرون أنفسهم أشخاصا ذوي قدرات، وحدود، وحقوق. ومع ذلك، فعندما تكشف عمليات الفحص عن حالات متلازمة داون، فإن الكثير من الآباء يشيرون إلى تأكيد الأطباء على صعوبات تربية طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويطلبون القيام بعملية إجهاض.

ويُطلق على هذا النوع من الإجهاض، إجهاضا من أجل تحسين النسل؛ أي إنهاء حياة غير ملائمة للقضاء على الخسائر الاجتماعية، والاقتصادية، والعاطفية لوجودها أو دوامها.

لقد اتخذ الاحتجاج على تلك الاتجاهات أشكالا لافتة للأنظار، في العام الماضي، انضم السيناتور إدوارد كينيدي المؤيد لحق خيار استمرار الحمل أم لا، مع السيناتور سام براون باك المؤيد لحق الحياة لاقتراح مشروع قانون يقضي بأن يقوم الأطباء بإخبار الأمهات الحوامل بأن اختبارات الجينات ليست دقيقة إلى حد ما، ويمنحوهم المعلومات المتعلقة بطبيعة الحياة التي من الممكن أن يعيشها الأطفال ذوي متلازمة داون أولا بأول. ومع أن هذا القانون لم يتم تمريره، إلا أنه يعتبر إماءة ذات مبدأ من شقيق روزماري.

ومع ذلك، فقد مكنت راديكالية تأييد حق الخيار ـ التي يتبناها كينيدي وآخرون ـ تطوير الاستقلال الفردي بدلا من المطالبة بحقوق الضعفاء. كما أوجدت أيضا صراعا أخلاقيا داخل الحزب الديمقراطي.

من الممكن النظر إلى الأسرة التي تقاوم الزعماء السياسيين على أنها مثقفة أخلاقيا. وعلى عكس موقف جوزيف كينيدي مع ابنته، فقد عامل شارل ديغول ـ ابنته آن ـ المولودة عام 1928 بمتلازمة داون بعطف غامر. وما زالت صورة هذا الضابط العسكري المتغطرس وهو يؤرجح ابنته على ذراعيه ليلا توضح لنا الكثير بعد هذه السنوات. وبعد وفاتها ودفنها وهي في سن العشرين، اتجه ديغول إلى زوجته وقال لها: «إنها الآن مثل الآخرين». وها قد رأينا الآن تريغ، الذي أصبح توا مثل الآخرين.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»