أنا اللي أستاهل

TT

قال لي: إن السهول هي المروض الحقيقي للجياد، فليس هناك مثل الاتساع الذي لا حدّ له مروضاً للجياد والرجال الهائجين.

قلت له: الغريب أنني لم أتروض رغم السهول المنبسطة من حولي على طول المدى، وأمامي على مد النظر، وكلما تقدم بي العمر ازداد هياجي.

رد عليّ قائلاً: إذن أنت لست بإنسان، أنت (تنين)، وسألني فجأة: بماذا توحمت عليك أمك؟!

مططت له شفتي بمعنى: أنني لست أدري؟!، يمكن على حبّة (برشومي).

**

في ليلة كان (البساطُ فيها أحمدياً)، دخل علينا رجل متجهما عبوساً قمطريرا، وكنت في تلك اللحظة مستغرقاً بالضحك من حادثة رواها أحدهم لنا.

وقبل أن يجلس الرجل صوب نظراته القاسية نحوي قائلاً: إن الله لا يحب الفرحين.

الواقع أنني انصدمت (وانخضّيت)، صحيح أن ضحكاتي كانت عالية بعض الشيء، لكنها لم تكن صاخبة ولا مزعجة إلى هذا الحد، فتمالكت نفسي وقلت له: حقاً إن الله لا يحب الفرحين، وهو يقصد (المتغطرسين)، وأنت مثلما تراني لا متغطرس ولا حاجة.

رد عليّ سريعاً وهو يقول: من أين أتيت بكلمة المتغطرسين هذه التي لم ترد في القرآن؟!، وبعدين اسمح لي أن أذكرك أنك لست مؤهلاً للتفسير، أم أنت تريد أن تخترع لك مذهباً جديداً.

ذهلت من هجومه غير المبرر هذا، خصوصاً أنه ليس بيننا معرفة تذكر قبل ذلك إلاّ رؤية الوجه ومعرفة الاسم فقط لا غير.

أجبته بأدب جمّ قائلاً: معاذ الله أن أفكر مجرد تفكير أن آتي بمذهب جديد، حتى وبعدين من أكون أنا؟!، إنني مجرد إنسان بسيط (على باب الله)، فلست بذلك المتبحّر ولا الفقيه ولا الداعية، ولكن أحلف لك بلِّي خلقك أنني سمعتك وقرأت وعرفت أن رسولنا الكريم كان بساماً، وأن الصحابة كان بعضهم يتضاحكون ويتمازحون في حضرته ولم ينهَهُم عن ذلك صلوات الله عليه.

قال: أين أنت من الصحابة حتى تتشبّه بهم؟!، ألا تخجل من كلامك؟!.

كان ذلك الحوار (الممتع) يجري بيننا والجميع صامتون وكأن على رؤوسهم الطير.

واضطررت مرغماً لكي أنهي وأقفل على الموضوع أن أعتذر له وأعده بعد اليوم أنني لن أضحك وأفرح.

وأجابني قائلاً: الله يهديك، والمشكلة أنه قالها بوجه مكفهر وكأنه يقول لي: اخرس.

ومن يومها إلى الآن وقد مضى على ذلك الحادث أكثر من أسبوع لم أضحك ولا ضحكة، ولم أفرح ولا فرحة علناً أمام الناس، كان كله على (السكّيتي) فقط بيني وبين نفسي.

**

هل صحيح أن أقدم وأقصر الكلمات: (نعم) و(لا)، هي التي تتطلب أكبر قدر من التفكير قبل النطق بها؟!

صحيح، ولكن ما أكثر ما سقطت في ذلك الاختبار، وما أكثر ما قلت نعم وكان المفروض أن أقول لا، وما أكثر ما قلت لا وكان المفروض أن أقول نعم.

ولكن تدرون؟! أنا اللي استاهل كل اللي يجرالي ـ مثلما قالت المطربة المرحومة (أسمهان) ـ: الغالي بعته رخيص ولا احسبوش غالي.

[email protected]