روايات مغشوشة لقارئ أعمش!

TT

حينما افتتح أول محل لبيع الـ«بروست» في السعودية لم ينته العام إلا وبين كل محلين لبيع الـ«بروست» محل ثالث يمارس نفس الاختصاص أيضا.. وحينما أحدثت رواية «بنات الرياض» لكاتبتها رجاء الصانع دويا هائلا على المستوى العربي والعالمي أراد الجميع بقرارات ذاتية أن يتحولوا إلى روائيين وروائيات دفعة واحدة، حتى لا تكاد تطل برأسك على مكتبات كمدبولي في القاهرة أو أنطوان في بيروت إلا ويسارع عامل المكتبة إلى توجيهك إلى الركن الذي تقبع فيه تلك الروايات وفق قاعدة «جحا أولى بلحم توره»، فالروايات خليجية، وعلى الخليجيين أن يتحملوا وزر رواياتهم، فلقد انتقلت عدوى الروايات من السعودية إلى غيرها من دول الخليج، وغدونا بلد المليون راو وراوية.. وهذه الروايات في مجملها مسخ من رواية «بنات الرياض»، في محاولة من الغراب لتقليد مشية الطاووس.. وجلها تحاول أن تلعب على وتر الجرعات الفضائحية.. فالكل قد استسهل الرواية من منظور أنها مجرد منشور يسير عكس الاتجاه.

الرواية باشتراطاتها الفنية توشك أن تكون الغائب الأكبر في الكثير من الإصدارات، وجل كتاب الروايات «المغشوشة» هذه لم يطلعوا يوما على فنيات الرواية ومدارسها وتكنيكاتها، وبالتالي جمعوا تلك المقالات الطويلة والركيكة بين غلافين تعلوهما كلمة «رواية»، واعتمدوا في بيعها على قاعدة «كل حبة مسوسة لها كيال أعور»، ورزق الهبل على المجانين، وقد تورطت في بعض الأحيان أن أكون ذلك القارئ الأعمش، الذي تغريه العناوين فيتحول إلى جامع لعدد من هذه الروايات المغشوشة، وكثيرا ما اضطررت أن اقرأ فيها نقودي، وأنا أمقت المؤلف، والناشر، وقبلهما القارئ، الذي هو «أنا».

في زحمة هذه الإصدارات توشك أن تضيع أصوات روائية خليجية وعربية مبدعة كرجاء عالم، عبده خال، تركي الحمد، محمود تراوري، رؤوف مسعد، صنع الله إبراهيم، ليلى الجهني، وغيرهم، فلقد اختلط الحال، فكيف يفرق القارئ في هذه السوق السوداء بين الحابل والنابل؟

ويبقى الأمل في أن تصحح الرواية مسارها لتستحق أن تكون ديوان العرب الجديد، بعد أنهك الكثير من الشعراء مطايا شعرهم في المديح والاسترزاق والتكسب ليغدوا الشعر الذي كان خبزنا وهواؤنا وحريتنا ذلك الابن الضال الذي ندعو له بالهداية وعودة الرشد.

[email protected]