لا واحد ولا اثنان

TT

ترتفع أصوات كثيرة حول العالم: لا للنظام الأحادي في العالم. وقد فرح كثيرون لانتفاضة روسيا على جورجيا ورأوا في ذلك عودة الى ثنائية الجبابرة والحرب الباردة. وقد قامت هذه الثنائية بعيد الحرب العالمية الثانية، عندما انتهى على نحو حتمي التحالف الغربي السوفياتي. وبعيد الحرب الكونية الأولى دار الصراع أيضاً بين قوتين، الفاشية والاشتراكية. وسعت كلاهما الى الامتداد عبر العالم والحلول محل الاستعمار الغربي التقليدي. وكانت النتيجة أن سار العالم وراء حالات مرضية قاتلة مثل هتلر وموسوليني وستالين. ونشأت حالات اضطهاد انغلاقية في الولايات المتحدة وانهارت حكومات أوروبا.

الحلم بقيام عالم سعيد من خلال عودة الصراع الأميركي ـ الروسي يحمل الكثير من القراءة الخاطئة لتاريخ الإنسانية. الشعوب الصغيرة كانت دائماً تضيع بين سنابك المتصارعين. والحل الأمثل لهذا العالم إلغاء السطوة الأحادية التي وصلت الى أسوأ حالاتها مع جورج بوش، وإلغاء فكي الصراع الثنائي، والسعي نحو عالم آمن لا أقطاب فيه. ويكون ذلك بإعادة النظر كلياً في صيغة الأمم المتحدة ومفهومها بعدما أصبحت بالية وبغير جدوى في عالم تغيرت وقائعه وظروفه، وسقطت فيه الآيديولوجيات وتحول الى بركان من الأسلحة الاستراتيجية. لم يعد الحلم «بعدم الانحياز» ممكناً اليوم، هو ايضاً، للسبب نفسه: انهيار الشيوعية في موسكو وضمورها في بكين. أي ان الدولتين فقدتا دعوتهما الأممية التي كانت تجمع أو تفرق بقية الدول بين المنحى الاشتراكي أو الانضواء في رأسمالية مخففة لم تفد سوى الدول الكبرى.

الخيار ضد الدولة الأحادية ليس في اختيار منافس للاستعباد والهرطقة السياسية، بل هو ـ مهما بدا ذلك مثالياً وبعيداً ـ في البحث عن نظام كوني جديد، لا علاقة له بما نعيش فيه من سلوك امبراطوري منذ آلاف السنين. العالم ليس في حاجة الى امبراطوية أو اثنتين. لا الى أميركا في العراق ولا الى روسيا في الشيشان. انه في حاجة الى بديل يتلاءم مع متغيراته.