ليس لدينا فيلسوف واحد!

TT

وتستطيع أن تقول وأنت آمن ومطمئن أنه ليس لدينا في كل تاريخنا فيلسوف واحد. وإنما لدينا مفكرون متفلسفون.. أو أن لهم اجتهادات في بعض النظريات. لماذا ؟

لأن هناك شروطاً لأن يكون أي إنسان فيلسوفاً يستحق هذه الصفة الفريدة وهذه الشروط هي: أن يكون قد وجد تفسيراً مبتكراً لعدد من القضايا التقليدية: الله والكون، والحياة بعد الموت، والروح والقيم الأخلاقية والقيم الجمالية..

فإذا اهتدى أحد إلى جديد منطقي يربط بين هذه القضايا مختلفاً بذلك عن عشرات الفلاسفة الذين سبقوه فهو فيلسوف. ولذلك لا نجد من بين كل المفكرين العرب المتفلسفين من نعتبره فيلسوفاً، حتى أستاذنا عبد الرحمن بدوي الذي أعلنه طه حسين يوم مناقشة الدكتوراه بأنه أول فيلسوف مصري. وانطبقت على أستاذنا طه حسين العبارة السياسية الشهيرة: «من لا يملك أعطى لمن لا يستحق». فطه حسين ليس فيلسوفاً ولا متخصصاً في الفلسفة، وعبد الرحمن بدوي لم يقدم مذهباً فلسفياً جديداً. وإنما قدم اجتهادات في نظرية فلسفية وجودية. وقد حضرت هذه المناقشة وكنت في السنة الأولى في كلية الآداب، ومن الذين صفقوا وأسعدهم أن يوصف عبد الرحمن بدوي أستاذي في الفلسفة بأنه أول فيلسوف مصري..

وعبد الرحمن بدوي صاحب اجتهادات ذكية في تفسير نظريات فلسفية صعبة جداً حتى علينا طلبة الفلسفة. وأصعب اجتهاده في تفسير نظريات الفلسفة الوجودية الألمانية. صحيح أنه هو الذي ترجم لنا ولأول مرة مصطلحات ألمانية صعبة. وصحيح أنه أصدر موسوعة فلسفية، وأنه تحدث عن نفسه بمنتهى الوضوح ووصف نفسه بأنه فيلسوف. ولم يكن في ذلك متواضعاً، ولكن من حقه أن يقول ذلك فهو الذي فتح لنا النوافذ والأبواب على الفلسفة المعاصرة واستدرجنا إليها وأغرقنا فيها. وأسعدنا ذلك وكأي واحد منا لا اتخذ له نظرية فلسفية أو أجتهد فيها، فلسنا فلاسفة وإنما طلاب فلسفة وفهم لمشاكل جديدة. ولنا إضافات متواضعة، فنحن متفلسفون ولسنا عباقرة، وإنما مبدعون أو نحاول ذلك دون كلل أو ملل!