«منشقّون» عن «حزب الفحول» الشرقي

TT

ثلاثة أسابيع مرّت على مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، وما زالت قضيتها تكشف عن مزيد من الرجال الذين احاطوا بها حية ومن ثم ميتة. فهناك من تزوجتهم او عملت معهم، وهناك من تورط او تواطأ على قتلها، وهناك ايضاً كمّ المحامين الذين دخلوا على الخط بحكم وقوع الجريمة، والغريب ان منهم من انزلق إلى نقاشات وتهديدات، جعلته جزءاً من ظاهرة سوزان تميم، بدل ان يكون مجرد محام حيادي.

وبمقدورنا اليوم ان نتحدث عن «رجال سوزان»، كما كنا نتحدث في السابق عن «نساء فلان». فلو حصرنا الكلام على أزواج الفنانة لوقعنا على عدد مغرٍ. فهناك زوجها الأول علي مزنر، الذي وحده حرص على ان لا يبدو في مشهد، أقل ما يقال فيه انه معيب. وهناك زوجها الثاني عادل معتوق الذي بقي متمسكاً بها حتى في ظل الكلام الذي يتردد عن انها ارتبطت بآخر (أو آخرين). وقد ظهر معتوق على شاشة التلفزيون منذ أيام، ليؤكد ان القتيلة ما تزال على ذمته، وانه زوجها شرعاً، وكأنه لا يريد ان يصدّق بأن الموت فرق بينهما، ما دفع بالمذيع لأن يسأله عن سبب تمسكه بها حتى وهي جثة. وهذا نموذج من الرجال العرب، لم نعهده من قبل. فبحسب المفاهيم التقليدية لمجتمعاتنا المحافظة، فإن الزوج يطلق زوجته او يتركها بمجرد ان يشتمّ رائحة عار، وهو ما لم يمارسه معتوق.

أما الرجل الثالث الذي يستحق دراسة معمقة، فهو هشام طلعت مصطفى، المتهم بالتحريض على قتل الفنانة. فظاهرياً، هو رمز للفحولة العربية بكل مقاييسها: المال، النفوذ، السلطة. انه الذكر الذي يرغب في محظيات ويبذل كل غال ورخيص للحصول على مبتغاه. وهو الرجل الذي تلجأ إليه المرأة / سوزان المهيضة الجناح ليحميها في كنفه، ويستخدم كل قوته ليؤكد لها انه «أبو العناتر» الذي لا يخيب. أما لماذا حرّض على قتل سوزان تميم حسبما ورد في صحيفة الاتهام الموجهة ضده، متكبداً ملايين الدولارات وربما حياته كلها ثمناً، فسببه قد لا يكون الغيرة او الحب، بقدر ما هو ثأر لفحولته المجروحة، فليست امرأة هي التي تضحك على رجل بشنب عريض وعضلات مفتولة. و«البزنس مان» الذي كان يفترض ان يتسم بالحكمة، زلّت قدمه بقوة، حين عرف ان شهرزاده لم تعد له، وانها ارتبطت بعلاقة بآخر في لندن، فعرض عليها كما قيل أموالا طائلة (عرض يعيدنا إلى زمن الجواري) وحين رفضت أخبرها انه سيدفع مليون دولار ليقتلها، كما زعم بطل الملاكمة العراقي رياض العزاوي في مقابلة لجريدة «صنداي تايمز» البريطانية. والعزاوي أعلن بأنه متزوج من سوزان تميم منذ 18 شهراً، وأن علاقتهما بدأت برغبة منه في حمايتها لأنها كانت مهددة، وانتهت بالزواج، رغم ما كان يقال عن أنها زوجة لرجل ثان ومعشوقة لثالث، ولتأكيد صلته بالحسناء، وزع صوره معها.

نماذج لثلاثة رجال عرب قبلوا تقاسم امرأة واحدة أو التنازع عليها في وقت واحد، وبذلوا تضحيات كبيرة وإن من نوعيات متفاوتة، وكل منهم يدعي أنه يفعل ذلك بداعي حمايتها. تقاسم يتناقض تماماً مع المقاييس الشرقية.

ويقول بعض الناس إن الجريمة والقصة كلها تؤشر إلى ارتباكات وانشطارات تتعرض لها شخصية الرجل العربي، ليس فقط تحت ضغط الانكسارات والهزائم المتلاحقة في المنطقة، ولكن تحت تأثير نموذج غربي كاسح يتم تبنيه مجتزأ. انها من المرات القليلة والنادرة التي نسمع فيها زوجاً يتحدث عن عشيق زوجته في العلن وكأنه أمر عادي، وعن زيجات متزامنة لامرأة واحدة، وكأنما لا خلل أو غرائبية في الأمر.

كما اننا أمام نموذج آخر حين نتكلم عن المتهم الأول محسن السكري. ضابط أمن الدولة الذي خرج من سلك الشرطة برتبة نقيب، وهو ابن للواء. أي اننا أمام عائلة لها روح عسكرية، كما ان المتهم الأول بالقتل عمل في مجال مكافحة الإرهاب، لكنه كان طموحاً جداً كما يروي والده، وهو ما هوى به، من مستوى تعقّّب الرجال الخطرين الذين يهددون الأمن القومي المصري إلى مطاردة امرأة / فنانة قضّت مضجع شهريارها، والتجسس عليها، ثم قتلها ذبحاً وطعنا بالسكين، كما جاء في اتهامه بهذه الجريمة. وهو ما صدم حتى والده الذي اعتبر ان الأسلوب الوحشي هذا ليس مصرياً، وإنما «شامي»، لذا فهو يستبعد ان يكون ابنه قد تمكن من هذا الفعلة.

لكن يبدو ان المصري والشامي لا يختلفان كثيراً، من خلال قصة تميم، التي ما تزال في بداياتها، وقد بدأ إقحام الخليجي فيها، حتى قال أحدهم ان إغلاق هذا الملف بات أفضل من التمادي في النبش فيه، وقد يؤثر على علاقات دول ببعضها البعض لشدة فضائحيته وتشعبه.

لكن مقابل الكلام على الفحولة المهدورة، لا بد من كلمة في أنوثة سوزان تميم، التي بلغت درجة استثنائية في استخدام الفتنة للحصول على ثروة ضخمة، خلال فترة قياسية. فهي من حيث المبدأ تشبه عديدات لم يعدن يربطن بين الحرية وكسب الرزق بعرق الجبين، ويفضلن العمل على جبهة حرية استثمار الجمال الخارجي لجني الأرباح، بدل الكدّ على جبهات أخرى أسلم وأضمن. وهذه محنة عربية جديدة سببها تراجع التيار النسوي المطالب بالمساواة في الحقوق لصالح تيار آخر يتصاعد في صمت، تقوده نساء يبعن بالمال والبهرجة أرواحهن المعذبة عبر عقود زواج أو بدونها. وهو صنف انتحاري جديد.. أنثوي هذه المرة. والحزام الماسي البالغ سعره 165 ألف دولار، الذي قيل إن هشام طلعت مصطفى أهداه لسوزان تميم لغوايتها / شرائها، لم يكن ناسفاً على غرار ما يستخدمه المقاومون، لكن تأكد أن ثمة أحزمة ماسية يمكنها ان تكون أشد فتكاً من الديناميت.