تشيعوا تسننوا، تكثلكوا تبرستوا!؟

TT

يوسف القرضاوي أطلق تصريحا يحذر فيه من أن إيران تنتهج سياسة تنشد تشيع العالم العربي. بعدها ثارت ثائرة من هم على شاكلة القرضاوي في الجانب الشيعي، فمن مبرر إلى ناف إلى مرحب إلى مهاجم للقرضاوي.

وسط هذا الضجيج المتخلف، تلاشى العقل، وانزوى التفكير، وتردد العقلاء والوسطيون: تخاف أن تقول إن الكلام غير صحيح، فتتهم بالتعاطف مع إيران، وربما ـ إن كنت سنيا ـ قد ينظر إليك كمتعاطف مع موجة التشيع، لا بل ربما تكون قد تشيعت. وإن كنت شيعيا، فإن نفيك لما قاله القرضاوي يدخلك في خانة التشيع السياسي، وربما التعاطف مع إيران وتأييدها.

وسط هذا التردد، خلا الجو للمتخلفين والمتطرفين والطائفيين، وسطرت المقالات، وأدخلت التعليقات، وشبت النار في المنتديات، وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية استحضر المتخلفون صفين والجمل، وسنت السيوف، ورفعت الرماح، وتنادى القوم: كل اصطف مع فريق موغل في القدم والزمان. طبعا، وسط الحماس وقعقعة سيوف التلاسن الطائفي يغيب عن عقول المتخلفين أن من يشاركهم إشعال النار في منتديات الانترنت قد يأتي من تل أبيب أو من الوقواق أو من المرضى والمعتوهين. كل ما عليك هو أن تبث رسما كاريكاتيريا تافها، أو تطلق تصريحا طائفيا، فيهب القوم عن بكرة أبيهم منافحين ومدافعين، تلعب بهم ريح العواطف، ويوجه العواصف ربابنة السياسة، كل حسب هواه.

حتى دعاة الوسطية لا يسمون الأشياء بأسمائها. لنقرأ مقدمة بيان لمنتدى الوحدة الإسلامية:

«طالعتنا في الأيام القليلة الماضية بعض الصحف العربية بضجة مفتعلة ومبالغ فيها حول العلاقات في ما بين المسلمين خصوصا بين الشيعة والسنة أججها حديث سماحة الشيخ يوسف القرضاوي.. «لاحظ أن القرضاوي سماحة شيخ وقد أجج! ترى! ماذا كان القرضاوي ليفعل لو لم يكن «سماحة شيخ؟».

لو كان لقيم الحرية عندنا مكانة لانزوى تصريح القرضاوي في أسفل صفحات الجرائد اليومية، ولو كنا نؤمن بحرية الاعتقاد والتحول الديني ـ ناهيك عن المذهبي، لما وجدت صرخة القرضاوي صدى في منتدياتنا وصحفنا ومجلاتنا. إنه التخلف وغياب قيم حرية الاعتقاد الديني: «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر» (صدق الله العظيم).

ماذا لو تحول المسلمون جميعا إلى المذهب السني. أو بالعكس: ماذا لو تحول المسلمون جميعا للمذهب الشيعي؟ مشكلتنا ليست في مذاهبنا، لكنها فيمن يعتنقها ويترجم رؤاها، لم تكن المذاهب يوما عاملا أساسيا للتطور والتقدم والعلم والازدهار، ولم يكن مذهب التعبد سببا للتخلف والتراجع. لم ينحصر التقدم الأميركي العلمي في الكاثوليك أو في البروتستانت حصرا. لم يتطور من تكثلك (أصبح كاثوليكيا)، ولم يتخلف من تبرست (أصبح بروتستانتيا). إنه التخلف، وقمة المراوحة في مكاننا، بل ربما تراجعنا إلى الخلف بسرعة جبارة.

مشكلتنا وأزمتنا لم ولن تكون في اعتناق هذا المذهب أو ذاك، لكن المشكلة كانت ولا تزال في تسييس الدين، وامتطاء المذاهب لترجمة وفرض الرؤى السياسية بشعارات دينية، فالتشيع السياسي يعني الإيمان بولاية الفقيه المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، والتسنن السياسي يعني العمل على عودة الخليفة ـ ظل الله في الأرض الذي يحكم باسمه ولا راد لأوامره ونواهيه المستمدة من الرب سبحانه.

بكل الألم والحسرة والمرارة، كنت أتابع جدل التشيع والتسنن، في الوقت الذي فجر فيه ثمانية آلاف عالم غربي تفجيرا بين سويسرا وفرنسا بنفق يمتد عبر كيلومترات بين البلدين. التجربة كلفت المليارات والهدف من التفجير التعرف على كيفية تكوين المادة!

من الذي تغير منذ أن قال المتنبي قبل عشرة قرون:

أغاية الدين أن تحفوا شواربكم

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟