انتصار بطعم الهزيمة

TT

بعد الحرب الروسية على جورجيا انطلق النقاش في عالمنا العربي حول عودة القطبين إلى السياسة الدولية، وتأثير ذلك على منطقتنا، بل ان السوريين قفزوا مرحبين من باب أن مصائب قوم عند قوم فوائد.

لكن الذي حدث بعد الانتصار الروسي السريع على جورجيا الصغيرة، مساحة وجيشا، وبعد العجز الدبلوماسي الأميركي والغربي للتصدي لما فعلته موسكو عسكريا في القوقاز، هو وقوع روسيا في ورطة اقتصادية.

وقبل الاسترسال لا بد من الاقرار بأن الأزمة الاقتصادية اليوم هي دولية، إلا أن من أسباب أزمة موسكو الحالية، عدا عن أن الأزمة الاقتصادية عالمية، وهبوط أسعار البترول، سببا آخر وهو الحرب على جورجيا، وتصاعد التوتر بين موسكو والغرب.

القاعدة الذهبية في الاقتصاد تقول إن رأس المال جبان، وهذا ما حدث في حالة روسيا. فبحسب تقرير لرويترز فإن حوالي 36 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية هجرت موسكو أوائل شهر أغسطس الماضي. وصادف ذلك هبوط أسعار البترول الذي تعتمد عليه موسكو لاستعادة مكانتها السابقة كلاعب مؤثر دوليا، سياسيا واقتصاديا، ومع انخفاض أسعار البترول تجد روسيا نفسها في أزمة حقيقية وهي تواجه المجتمع الدولي.

بالطبع سيعبر العالم أزمته الاقتصادية، مع انهيارات وخسائر تطال أفرادا ومؤسسات، وسيعود بعدها الاقتصاد العالمي للتعافي، لكن مشكلة روسيا ستكون في عودة الثقة في قراراتها السياسية.

هذه ليست قراءة شخصية، بل هذا ما تقوله التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، فمع تأزم العلاقات بين موسكو ومنظمة التجارة الدولية، مثلا، واستمرار التصعيد مع الناتو، فمن المؤكد أن رؤوس الأموال ستنأى بنفسها عن مناطق ترتفع فيها درجة المخاطرة، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية في موسكو دفعت الحكومة إلى تعليق العمل في بورصتها لمدة يومين للحد من الانهيار السريع، والخسائر الكبيرة.

رئيس الوزراء الروسي بوتين تحرك لتطمين المستثمرين الأجانب بالقول إن بلاده «تريد التكامل مع الاقتصاد العالمي»، مؤكدا «اننا نراهن على المبادرة الفردية والانفتاح على الاقتصاد العالمي والتكامل العقلاني معه، ونعتبر أي محاولة لاعادتنا إلى الحرب الباردة تهديدا مباشرا لمشروعنا الهادف إلى التحديث ولافشاله».

بل إنه أضاف قائلا «المواجهة ليست خيارنا. لن يكون هناك من جانب روسيا أي غلق للسوق بدافع سياسي ولا قطع للعلاقات الاقتصادية».

ملخص القول هو إنه من الواضح اننا أبعد ما نكون عن القطبية السياسية، وعودة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. كما أن النصر السريع الذي حققته موسكو ضد جورجيا، والبهدلة الدبلوماسية التي تعرضت لها أميركا لم تكن إلا مؤقتة، حيث أن موسكو تدفع ثمنا باهظا لانتصارها العسكري، وقد تكون خسائرها فادحة لو استقرت أسعار البترول عند مستوى الأربعين دولارا.

فللقرارات السياسية الخاطئة ثمن اقتصادي وسياسي باهظ، وتتفاوت درجة التحمل فيه بين دولة وأخرى، بحسب قوة الاقتصاد. رعونة واشنطن السياسية، مثلا، كلفت أميركا كثيرا، لكن اقتصادها يتحمل ونظامها السياسي مرن وقابل للتصحيح، بينما الاقتصاد الروسي لا يتحمل نظرا لاعتماده على البترول، ونظامها السياسي لا يحظى بالمرونة الأميركية.

[email protected]