أنا وبوش والبروكولي

TT

يحكى ان جورج بوش الأب هاج وماج عام 1990 وقال بغضب شديد:«أنا رئيس الولايات المتحدة الاميركية وآمركم بعدم تقديم البروكولي على مائدتي من الآن فصاعدا». ولمن لا يعرف، فالبروكولي هو القنبيط الاخضر. بوش الاب كان الرئيس الحادي والاربعين. وقد بلغ اليوم الرابعة والثمانين ولعل عمره المديد اكسبه من الحكمة ما يجعله نادما على اصدار فرمان منع تقديم البروكولي في البيت الابيض. فالدراسات العلمية الحديثة أكدت ان هذه الزهرة المتواضعة تمتلك خواصا تعيد الشباب الى جهاز المناعة مما يبعد عن آكلها امراض الشيخوخة بأنواعها كافة.

اطرف ما يمكنني الاعتراف به اليوم هو ان اوجه الشبه بيني وبين بوش الاب تنحصر في ميلي لتحاشي تناول البروكولي كلما امكنني ذلك رغم اصرار ابنتي الشابة على تقديمه لي في كل مناسبة ودهشتها من انني لا اقبل عليه قدر اقبالها وتقديرها لطعمه وفوائده وافضاله.

اكتشف الباحثون ان البروكولي غني بمادة تنشط طرد السموم من خلايا الجسم. فان خرجت السموم قويت مناعة الجسم ضد الفيروسات والجراثيم وامراض الحساسية، خصوصا عند كبار السن. ويذهب العلماء الى ان تلك المادة توفر وقاية اضافية من امراض السرطان ايضا. والدليل على ذلك ان التجارب التي اجريت على فئران المختبر المتقدمين في العمر اثبتت ان حقنة واحدة من تلك المادة اعادت مناعة جسم الفأر العجوز الى ما كانت عليه عندما كان فأرا فتيا تتواثب من حوله المعجبات بالعشرات. باختصار: كل البروكولي تسلم من امراض القلب والمفاصل والسكري، اضافة الى ما له من اثر حميد على الكبد ووظائفه.

بعد ان قرأت هذا الكلام قررت ان امنح البروكولي فرصة ربما لأنني متفائلة بطبيعتي. أقبلت على كتب الطهي اقرأ وادون ملاحظات وانسخ وصفات استعدادا لمرحلة استرداد فتوة جهاز المناعة وليونة الركبتين ونظافة الكبد والكليتين. وبدأت برنامج اعادة التأهيل بصحن من شوربة البروكولي التي ظهرت على المائدة خضراء من غير سوء. ولاحظت نظرة مستطلعة تعتلي وجه زوجي وهو يسألني برفق عن الشوربة الخضراء. فقلت باقتضاب: بروكولي انه مفيد للصحة. بعد ملعقتين دفع بالصحن بعيدا وسأل بهدوء ان كان في البراد شيء من الجبن الابيض.

بعد تلك التجربة التي جانبها النجاح اصبحت زهرات البروكولي تتسلل بخبث بين اوراق الخس ومكعبات الخيار والطماطم في صحن السلاطة اليومي لأكتشف ان رفيق دربي لا يشكو ولا يتذمر ولكنه يجنب الزهرات ويأكل السلاطة من دونها.

وكان ثالث التجارب هي تجربة صحن العجة بالبروكولي والجبن الرومي. والثالثة كما يقال ثابتة اذ ارتفعت نبرة الاستطلاع الى نبرة استياء مقنن فقال زوجي لا بروكولي بعد اليوم. فلم يسعني الا ان اروي له ما قاله جورج بوش الاب في سنة 1990 وانه لا بد ندم فيما بعد. فقال: عين العقل. على الاقل بوش الاب عاش بمزاج وان مات سيموت بمزاج ايضا من دون ان يدس له البروكولي في الطعام يوما بعد يوم. وعدته خيرا ولكن الفرصة قدمت نفسها اليّ على صحن من فضة حين خرجنا لتناول الطعام في مطعم ياباني يقدمون فيه عصير الخضراوات على قائمة المقبلات. القيت نظرة سريعة على مكونات العصير الطازج وسرني ان يكون البروكولي واحدا منها فطلبت كوبين من العصير وتعشمت خيرا.