مؤلف خاص بالكتب المستعملة

TT

على بولفار «السان ميشال»، حيث ما تبقى من مكتبات لم تتحول بعد الى مقاه أو مطابخ «ماكدونالد» وأكياسه وقوارير «الكولا»، لا تزال تلقى كتبه على الصناديق التي تعرض فيها الكتب المستعملة بأرخص الاثمان، وربما بالثمن الذي كانت تعرض به قبل مائة عام.

ومع ذلك فان اميل زولا من حيث الشهرة هو أحد أشهر الاسماء في الأدب الفرنسي. غير أن أحداً من أدبائها لم يتعرض للنقد والهزء والرفض كما تعرَّض. وبفضول شديد أبحث عن كتبه في المكتبات العادية لكنني لا أجدها إلا على الأرصفة. وغالباً في حالة جيدة لأن بائعها ترك للشاري الجديد أن يفتح صفحاتها الملتصقة. ولا أدري هل قسا الفرنسيون على أحد رواد «الواقعية» أم لا، لكن لم يبقَ له سوى الطبقة العاملة التي كرس لها معظم عطائه، بالاضافة الى مقاله الذي ذاعت شهرته بعنوان «اني أتهم» الذي دفع فيه ببراءة ضابط يهودي يدعى درايفوس.

يقول الناقد ماريوس بواسون انه لم «يسبق ان تعرض كاتب لهذا القدر من الشتيمة والخزي والتشويه». وقد نعت زولا بقذارة الأدب. وصوَّرته الرسوم الكاريكاتورية خنزيراً يتقلب في زريبة. ولقب «بخنزير بري». وطبع وكيل اعلانات يدعى لوبورجوا على نفقته 30 ألف صورة كاريكاتورية لزولا في أوضاع غير مشرفة اطلاقاً. وبعد صدور عمله «الارض» سارع خمسة من أصدقائه الى طباعة كتيّب يتبرأون منه وينعتونه فيه بالفساد والانحلال الاخلاقي. وطرق زولا (1840-1902) باب الاكاديمية الفرنسية 25 مرة قوبلت جميعها بالرفض. وعندما انتقل الادب الفرنسي الى الواقعية والانحلال والوجودية ظل زولا خارجاً ولم يعثر على مكان لنفسه. وذهب تنبؤه عبثاً «بأن أحداً لن يعرف قيمتي إلا بعد 25 عاماً». فبعد مائة عام لا يزال المسكين مشرداً على عربات الأرصفة في الضفة اليسرى التي كانت الملاذ الاول والأخير للمثقفين ورجال النخبة والفنانين. لكن شيئاً فشيئاً تغلق المكتبات الكبرى أبوابها العريضة وهدوء قاعاتها وتنضم الى صخب المدينة وباعة الكستناء الايطاليين، والنحاتين الفيتناميين الذين يصنعون من الجزر أشخاصاً ذوي ملامح آسيوية. وقد أطبق الصينيون على تجارة المقاهي والمطاعم الصغيرة وكل تجارة اخرى تتطلب ساعات عمل طويلة، تماماً كما فعل اللبنانيون في كندا والهنود في بريطانيا.