ما الذي حدث فتراجعت شعبيتهم؟

TT

لماذا لم تعد السيارات المفخخة مثار الدهشة والاعجاب حتى عند الغاضبين عادة؟ السبب ان نفس السلاح الدعائي الذي استخدمه تنظيم القاعدة انقلب عليها. كانت القاعدة تروج لابطالها المفخخين، وهم يقرأون وصاياهم ويبتسمون للكاميرات، وبعد ان كثرت عملياتها راجت صور ضحاياها، اطفالا ونساء وشيوخا في كل مكان مرت فيه سياراتهم وانفجرت. اليوم من دون حاجة الى استبيان ندري ان القلة بقيت تؤيد العمليات الانتحارية، اعني بين المسلمين الذين باسمهم استخدمت وبررت.

الأرقام التي أظهرتها آخر دراسة علمية تؤكد نتائج الاستطلاعات التي سبقتها، تراجعا مستمرا في كل الدول الاسلامية، باستثناء مصر التي ذكر البحث ان التأييد ارتفع خمسة في المائة عن العام الماضي، وهو أمر ربما له علاقة بإصرار قطاع من الإعلام المصري على الترويج لما يسميه بالعمليات الاستشهادية، كأنه يعيش في جزيرة منفصلة عن بقية العالم الاسلامي، لا يعلم أن الغالبية الساحقة من ضحايا الإرهاب هم مدنيون، ومسلمون أيضا.

أهمية قياس رأي الناس في العمليات الانتحارية لأنها تمثل الرمز الاساسي للإرهاب، فهي أخطر أسلحته، وأكثرها إثارة ورعبا ودعاية. وبالتالي فان تنهار نسبة المؤيدين لابن لادن في الأردن، مثلا، من ستين في المائة الى 19 في المائة في ثلاث سنوات، فان ذلك يعني الكثير، لأن تنظيم القاعدة كان أشهر من أي فريق رياضي في البلاد.

لقد انفقت القاعدة الجهد والوقت والمال من أجل استمالة المسلمين في أرجاء الكرة الأرضية، بادعاء أنها تدافع عن قضاياهم، وتعدهم بالانتصار، وتعزف باستمرار على أوجاع حاضرهم وحنينهم الى الماضي. أتذكر جيدا في الفارق بين الأمس واليوم، كانت الدعاية الإعلامية للقاعدة ومشجعيها مهيمنة. وعندما كنت أتطرق بالنقد لعملياتها الانتحارية، في أيام بداياتها، ووجهت بالاستنكار من جهلة ومثقفين يحتجون حتى على استخدامي كلمة محايدة مثل «انتحارية» وانها «استشهادية». كانت هناك فئة كبيرة آمنت بأن القاعدة تدافع عن قضاياها، وان في الحروب تبرر الغاية الوسيلة. سنوات مرت، وكان لا بد ان تظهر حقيقة التنظيم للأدمغة المغسولة.

وليس غريبا ان المسلمين الذين عايشوا العمليات الانتحارية صاروا أكثر الرافضين لها من الذين يتفرجون على أخبارها عبر شاشات التلفزيون، فقط خمسة في المائة من سكان باكستان يؤيدونها.

بدأت الجرائم موجهة لأجانب أبرياء يعملون في شركات، وسياح أصدقاء، ثم صارت ضد جنود محتلين، لتتحول بشكل مكثف ضد المواطنين والمسلمين الآخرين لانهم ليسوا سنة، ثم ضربت السنة بدعاوى تافهة من حلاقة الشعر الى سماع الموسيقى. اخيرا انتهت الى مجرد جرائم بلا مزاعم، فقط لايقاع اكبر عدد من القتلى للحصول على عناوين في صحف الغد، صارت أهدافها الاسواق والمدارس والمساجد. هذه سيرة الارهاب التقليدية، ومهما زورت مبررات الجريمة باسم الوطنية او الدين تخلع ملابسها في النهاية.

[email protected]