فخار «يكفر» بعضه!

TT

العراق بدأ بسجالات لا تنتهي بين السنة والشيعة انقلبت لأنهار من الدماء لا تزال تسيل وتحصد مئات الأبرياء، ولبنان يذكرنا بين الحين والآخر بالتطرف الأحمق لدى كل طرف. والآن ها هم رموز ومشايخ كل طرف يتراشقون إعلاميا بالبيانات والتصاريح وينعتون بعضهم البعض بأسوأ الصفات والأسامي. العالم الاسلامي «محصور» حاليا بين تطرفي مذهبي الأمة، فالسنة خطفها متطرفون مولعون بالقوقعة والتطرف والتضييق والتكفير، والشيعة خطفها متطرفون مولعون بالخزعبلات والتشكيك والتأليف الغريب. والعجيب أن يأتي التراشق الحاصل الآن من رفاق الأمس، فليس بسر أن الثورة الاسلامية الايرانية وحكومتها الحالية «تتفق» وتتعاون استراتيجيا مع حركة الاخوان المسلمين السنية، والقرضاوي مثله مثل شخصيات أخرى «محسوبة» على الاخوان المسلمين، وبالتالي هناك استغراب من هذا الانقلاب في المواقف. والصراع بين الشيعة والسنة صراع لا حدود له ولا سقف له ولا قاع تماما كالحرب على الارهاب، هي حرب بلا بداية ولا نهاية لانها ليست ضد هدف بعينه أو جيش أو دولة، وبالتالي لا يمكن قياس النجاح أو الفشل فيها تماما، مثل الصراع بين الشيعة والسنة. ولذلك سيستمر ذعر السنة من محاولة «التشييع» في بلادهم وكذلك سيرتعب الشيعة من «فضح» السنة لمؤلفاتهم وحججهم، إنه صراع بلا معنى ولا نهاية. فالاعتقاد راسخ والايمان عميق والقناعة مطلقة عند كل فريق بأنه على حق وأنه عنوان الله على الارض، وانشغل كل فريق بمحاولات اثبات أنه على حق لمئات السنين، من دون أن يتمكن أي منهما من نزع الصراع ووضع حد نهائي للجدل الدائر بينهما. ها هو تنظيم القاعدة الموتور المتطرف يحيي وصول الرئيس «الشيعي» زرداري الى سدة الحكم في باكستان ليقوم بعملية انتحارية جبانة ساعة الافطار في العشر الأواخر من شهر رمضان، تماما كما سبق أن غدر حزب الله بسكان بيروت وقام بطعنهم في الظهر وقتل من قتل وروع من روع بلا سبب ولا حجة إلا غرورا وجبروتا. كل من الفريقين يحاول اظهار نفسه بريئا ونبيلا ولكنه في حقيقة الأمر سقوط في أوحال الجهل. وما يدور بين السنة والشيعة اليوم من صراع سبق أن شهدته أديان كثيرة أخرى ولم يستفد أحد منه حتى كان الحكم لسيادة القانون ليكون على رأس الجميع وبعدالة ومساواة. سنة وشيعة يدعون أنهم من نفس الدين وذات الرسالة، ولكن حين التمعن في مشايخ كل طرف وفي مرجعيات كل فريق وفي أدبيات كل جهة يبدو أنه من الصعب الاقتناع وسهولة التصديق أنه دين واحد أساسا، شخصيات «غريبة» تكتب نصوصا «مريبة» فتمنح قدسية ومكانة تقترب من الصديقين والانبياء، ولم تعد حجة مقبولة ومقنعة القول ان حالة التجاذب بين السنة والشيعة هي حالة دينية عامة، قد يكون هذا الرأي سليما وصحيحا في فترة ما سابقة عمر البشرية، إلا أن واقع الأمر اليوم يقول إن هذا الحال اصبح حالة اسلامية «حصرية»، وعليه المشكلة تكمن في تيارات فكرية مذهبية في الاسلام اعتنقت دينا سماويا لا تستحق، لان تعاليم هذا الدين والنهج المحمدي فيه على صاحبه أزكى صلاة وأعظم سلام هي أرقى من التصرفات والمبادئ التي يروج لها عن طريقهم. أمة تتلذذ وتتغزل بنشوة واعتزاز بقتل بعضها البعض وتقدم الحجج والبراهين لدعم موقفها من ذلك، هي أمة لا تحترم نفسها، وأمة لا تحترم نفسها هي أمة لا تستحق أن تحترم هكذا وبكل وضوح وبساطة.

[email protected]