التشيع يطرق بابي

TT

لم أفرغ في مقالي الماضي من وضع خط أحمر على الحدود المصرية، لكي نحول بينها وبين تحويلها إلى بؤرة مشتعلة بالفتنة بنشر التشيع في بلد كل مسلميها سنيون حتى حطم أحد القراء الحدود الحمراء ليتجاوزها ويدعوني شخصيا إلى التشيع، ويؤكد بأن السنة، وإن كانوا الغالبية الساحقة من المسلمين فهم لا يخرجون عن «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله»! كما أن قراءً آخرين اعترضوا على نقدي للتبشير بالتشيع في الدول الإسلامية السنية، معللين اعتراضهم أولا لأنها نوع من الطائفية، وثانيا لأن الحرية مكفولة للإنسان ليختار ما يرى أنه هو الحق من الأفكار والمعتقدات والأديان فلا معنى للحِجْرِ على الأفراد أو الشعوب «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

«الطائفية» أصبحت الفزاعة التي يُشهِرُهَا أيُّ أحدٍ ضد كل أحدٍ حتى ولو كان ناصحا معتدلا وسطيا أمينا، ولعلكم سمعتم أخيراً وصف وكالة الأنباء الإيرانية للدكتور يوسف القرضاوي بأنه يتحدث نيابة عن الماسونية العالمية، وعن حاخامات اليهود، واتهمته بالطائفية فقط لأنه أنكر على إيران ومَنْ يأتمر بأمرها من الحوزات والرموز العلمية والفكرية حرصَهَا على نشر التشيع في مصر. القرضاوي الذي شدد النكير على أمريكا حين هددت بالهجوم على إيران، والذي أنهكته محاوراته مع عددٍ من علماء السنة لإثبات «إسلام» الشيعة، والذي شن عليه بعض أقرانه من السنة هجوما عنيفا بسبب دعوته للتقارب مع الشيعة، صار بسبب غضبه على نشر التشيع في بلده طائفيا ووكيلا لليهود والماسونية العالمية!

تصريح وكالة الأنباء الإيرانية ليس رأي فرد، إذ أن الردود الفردية المتشنجة مع التقدير لها لا يعول عليها كما أنها لا تعمم على الكل. تصريح الوكالة الإيرنية بذيء ويسيء لكل علماء السنة وليس القرضاوي فحسب. وأستطيع أن أقول وكلي ثقة مع أني لا أملك أرقاما ولا إحصاءات، بأن كل علماء المسلمين السنة ينكرون التبشير للتشيع في مناطق السنة أولا لأنهم حماة الدين والمذهب، وثانياً لأن أكثرهم حريصٌ على تفادي خلق بؤر جديدة للصراع الطائفي كما أسلفت في مقالي السابق. فهل كل علماء المسلمين نواب للماسونية ووكلاء لليهود؟!

إن أتباع أي دين أو ملة أو نحلة على وجه الأرض ينطبق عليهم الوصف القرآني «ليسوا سواء»، ولذا فأنا أوجه كلامي مرة أخرى لعقلاء الشيعة من علمائها ومفكريها ومثقفيها بأن الحماس لنشر التشيع في الدول السنية فيه تكثير لمناطق التماس بين الطائفتين، وأمتنا يكفيها ما فيها من مناطق نزال ساخنة شرخت وحدة المسلمين وأضعفت قوتهم.

ثم إن المتتبع لأحوال «المتحولين» من دين إلى دين ومن مذهب إلى مذهب أنه تعتريهم في بعض الأحايين حماسة مفرطة تصل إلى حد التشدد والوقوف في الطرف، فالتيجاني السماوي الذي تحول في تونس إلى التشيع صار جل اهتمامه منصبا على التنقيص من مذهبه السني السابق وبيان بطلانه والتبشير لمذهبه الجديد، مع أن التيجاني نقطة في بحر سني. وسمى كتابه تسمية استفزازية «ثم اهتديت»، وأحد زعامات الشيعة المصريين وهم أيضا شعرة سوداء واحدة في جلد سني أبيض ينافح لإنشاء حزب شيعي في مصر، وهو الآخر سمى حزبه تسمية لا تقل استفزازا «حزب الغدير»!

يحزننا أن بعض زملائنا المثقفين يدرجون كل من كتب في تأييد «مقاومة التشيع» في الدول السنية على أنه تخلف بليد وانزلاق في وحل الطائفية لا يقل عن طائفية إيران، والصحيح أن هذه المقاومة للمد الشيعي في الدول السنية التي تصدر لها القرضاوي بكل صراحة وجرأة هي نوع من الضربة الاستباقية الوقائية لتجنيب الأمة الإسلامية مزيداً من التشرذم والصراع الطائفي.

[email protected]