المحاكمة

TT

كان عدي صدام حسين رجلا منفراً ونموذجاً للولد المدلل في سلطة فظة. وكانت العائلات العراقية تخشاه وتخاف أن يمرَّ في أحيائها. لكنه كان يستحق، في ظل الاحتلال الديمقراطي رافع راية الدساتير والمحاكم العليا، أن يحال الى المحاكمة. هو وشقيقه الأصغر. وصدام حسين كان قاسياً بلا رحمة، تفرج بقلب بارد على اعدام آباء أحفاده. لكنه كان يستحق محاكمة غير صورية وحكماً لا ينفذ عشية العيد وسط هتاف الجلادين لمقتدى الصدر. فقد كان العالم أجمع على قناعة بأن حاكم العراق السابق في أيدي الاميركيين وحراسهم و«حقوقييهم» وليس بين سواعد العتاة الذين عرضوا عنقه على التلفزيون وهو يساعدهم في لف الحبل. تبنى الاميركيون نقل الديمقراطية الى العراق وحكم القانون فإذا بنا ـ بالصور الملونة ـ أمام فظائع سجن أبو غريب والمحاكمة الكافكاوية لرجال النظام. وبسبب المهزلة القانونية الساقطة كاد رجال مثل برزان التكريتي وعلي كيمياوي يبدون انهم يثيرون الشفقة. والذين يتذكرون محاكمات المهداوي لم يروا فرقاً إلا في نوعية القفص الحديدي. الاكثر حداثة والأكثر سوءاً وتخلفاً واعتباطية.

تعرفت قبل فترة في دبي على الناطق باسم الحكومة العراقية الاستاذ علي الدباغ. وأعجبتني دماثته بالنسبة الى ناطق حكومي في بلد عربي. وشعرت انه يعطي صورة محسنة عن الحكم وحتى عن الوضع في العراق. ولما دافع عن أوضاع السجين طارق عزيز وفاته ذكر الحقائق كمثل أن الرجل يشارك سجيناً آخر زنزانة من مترين فيها حمام واحد لا باب له، تساءلت لماذا لم يكلف الدكتور الدباغ هذه المهمة الى الناطق باسم السجون أو باسم جلاَّديها أو باسم عمال التنظيفات فيها. لماذا يساهم، رجل في مستوى علي الدباغ، في التغطية على هذه المهزلة القانونية المتمادية؟

أما جمعيات حقوق الانسان الاميركية التي يشغلها باستمرار وضع السجناء في مصر، فلماذا لا ترسل مندوباً يشرب فنجان قهوة (عَ الريحة) في سجون العصر الديمقراطي، الذي تعيشه بغداد في ظل رجال المارينز؟ كأنما كتب فرانز كافكا «المحاكمة» في عشرينات القرن الماضي، من أجل ان تكرر في «المنطقة الخضراء» من بغداد. القاضي والمتهم يتكلمان لغتين لا يفهمان شيئاً منهما.

الحكم جاهز ولا استئناف ولا شكوى. وهل تحاكم أميركا طارق عزيز حقاً لأنه شارك في اعدام 92 تاجراً، أو لأنه كان يعصي أوامرها ويرفض عروضها؟