التمييز على أساس الدين

TT

هناك من الأسباب ما يلقي بالتساؤلات حول اختيار قائد الحرس القومي في ألاسكا رئيسا محتملا للأركان (على الرغم من أن هناك أسبابا لها نفس الدرجة من الخطورة لإلقاء الشكوك حول المؤهلات العسكرية لمرشح آخر وهو أبراهام لينكولن، الذي خدم لأشهر قليلة ككابتن في حرب الصقر الأسود).

ولكن بدلا من الدخول في تلك القضية، نشير إلى أن الليبراليين قد انجذبوا لتوجيه الانتقادات إلى معتقدات سارة بالين الدينية. وقد ضغط الصحافيون على الراعي السابق لبالين لكي يكشف عما إذا كانت قد أدلت يوما باعترافات معينة. يمكن مقارنة معتقدات سارة إلى تلك التي لدى القس جيريمايا رايت، على الرغم من أنها ضبطت وهي تطلب الصلاة من أجل نجاح بلدها بدلا من أن تشكو منها. وفي هذا السياق، فإن بالين تبدو مثل الرئيس فرانلكين روزفلت، الذي دعا خلال الحرب العالمية الثانية وقال: «بمنِّك ومن أجل غايات قضيتنا النبيلة، فلينتصر أبناؤنا».

وبالطبع، تم تصوير بالين كـ«شخص مؤيد للحكومة الدينية»، وكأنها أصولي إسلامي يضع أحمر شفاه. لديها الحق في الاعتقاد دينيا فيما تريد، مثلما يحق لمن شاء أن يعتقد أن القمر قد صنع من الجبن، ولكن لا يجب أن يسمح لها بـ«فرض» تلك المعتقدات على الآخرين.

هناك ردود فعل خطيرة لتلك السذاجة. فلو كانت المعتقدات الدينية حول كرامة الحياة البشرية غير مشروعة كأساس للسياسة العامة، لما كانت هناك حركات للحقوق المدنية أو للقضاء على العبودية. إن فكرة وجود الصورة الإلهية في كل آدمي هي أحد الأسس الرئيسية للعرف الأميركي الخاص بالحرية والتسامح والتعددية. الواجب الديني يدفع الملايين لحب وخدمة جيرانهم، ومن ثم احترام حقوق جيرانهم في التزام ما تمليه عليهم ضمائرهم. إنها التأثيرات السياسية لتلك الهجمات التي جعلت فريق ماكين يصرخ ويتبختر من الفرح لاقترابه من حدود المعسكر الآخر.

بوجه عام، تظهر النخب الليبرالية السياسية والإعلامية تفاوتا في المعتقدات الدينية يبدأ من العلمانية إلى مذهب الكنيسة الأسقفية البروتستانتية الليبرالية؛ جميع الألوان المختلفة من البنفسجي إلى الأزرق. ولكنهم يفترضون أن ازدراء كنيستهم العليا أو الازدراء على طريقة لويس منكن للحماسة الدينية أمر منتشر على نطاق واسع. لقد كان عالم الاجتماع بيتر بيرغير هو من لاحظ أن «كلا من مواطني بورتوريكو، واليهود، وتابعي الكنيسة الأسقفية البروتستانتية يشكل حوالي 2 في المائة من عدد السكان الأميركيين. خمن أيا من هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم أقلية».

إن تعامل وسائل الإعلام مع مذهب الخمسينية (خلفية بالين الدينية الأساسية) ومذهب كنيسة الكتاب المقدس الأنجليكانية (الذي تنتمي إليه بالين الآن) يتشابه مع عدد خاص صادر عن ناشونال جيوغرافيك لتناول قبيلة مكتشفة حديثا في الأمازون. ربما لا تشك في أن مذهب الخمسينية، الذي نشأ عن جذور رائعة متكاملة عرقيا متمثلة في نهضة شارع أوزوسا في لوس أنجلوس عام 1906، من أسرع المذاهب المسيحية انتشارا بين العامة وأكثرها تأثيرا. هناك الآن ما بين 250 مليونا و500 مليون معتنق لهذا المذهب في أماكن تمتد من أميركا اللاتينية إلى الصحراء الكبرى الأفريقية إلى مناطق ألاسكا الريفية. أحيانا ما يوصف بديانة المحرومين، حيث ينتمي العديد من تابعيه إلى خلفيات فقيرة. ولكنه أيضا ديانة المتحركين اجتماعيا، فهو يشجع على الاجتهاد والتوفير وإنكار الذات، مما يبعث ماكس فيبر على الفخر.

وبهذا يضع الديمقراطيون وحلفاؤهم الليبراليون رسالة مختلطة يمكنها أن تدمرهم. يشدد السياسيون الديمقراطيون على دعوتهم من أجل الطبقة العاملة والفقراء العاملين، بينما يعرب المثقفون والنقاد الليبراليون عن ازدرائهم للقيم والدوافع الدينية عند الفقراء والطبقة الوسطى ذاتها. وبينما لا يتحدث معظم الأشخاص المتدينين في أميركا كثيرا، يصلي العديد منهم من أجل الشفاء في أوقات المرض والشدة، ويشعر معظمهم بالإساءة إذا هاجمت النخبة الساخرة الممارسات الدينية لأصدقائهم وجيرانهم. الأمر الذي يسبب إساءة أكبر حين يقول أحدهم إن موضوعات كتب الجيب ستذهب بأقوى المعتقدات لدى الرجال والنساء. كل هذا لا يصب في مصلحة باراك أوباما، مع أسلوبه الهادئ المتحفظ وتعليقاته المستفزة حول المتألمين المتدينين. وهذا يعود بالنفع غير المقصود على قائمة ماكين وبالين، وهي دعوة شعبية دينية، لم يكن ماكين وحده ليدعو إليها.

إن الاستهزاء بديانة بالين استراتيجية فقيرة، وهو خطأ ارتكب من قبل. وأثناء عيد العنصرة الأول، وهو مسجل في كتب المذهب، تحدث المسيحيون بلغات غريبة أمام العامة. فقال العديد من المراقبين إنهم سكارى. كذلك لا يستوعب منتقدو الأديان الكلمة الأخيرة، كما هو الحال غالبا».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»