كم طول الخازوق؟

TT

الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي وصفت بأنها الأسوأ في عمرها لم تبلغ مداها حتى الآن، وتستمر الأيام في كشف المشاكل والكوارث المتلاحقة، وإن كانت الاسباب الكاملة والتي أدت الى الانهيار الكبير الذي حدث لا تزال غامضة وغير معروفة وتبقى في طي الكتمان. اليوم أمريكا فعليا وفي الجانب الاقتصادي على اقل تقدير (وهو الملف الأخطر والأهم ولا شك الآن على المستوى العام) تنفيذيا تدار من قبل وزير خزانتها هنري بولسون، والذي يقوم بدور رئيس مجلس إدارة شركة مالية كبري (وهو دور ليس غريبا عليه إذا ما تذكرنا انه كان يقوم بذات الدور التنفيذي إبان ترؤسه لمنصب رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لمجموعة جولدن مان ساكس قبل انضمامه للعمل الحكومي الرسمي) ويساعده في هذه المهمة اليوم رئيس مجلس إدارة البنك الفيدرالي بن بيرناكي، فاليوم الحكومة الأمريكية وتحديدا المواطن دافع الضرائب فيها بات عمليا يمتلك أكبر شركة تأمين في العالم وأكبر شركتي رهن وتمويل عقاري، وذلك بعد شراء الحكومة لهم وإنقاذهم من الافلاس الوشيك.

واليوم تقوم الولايات المتحدة بقيادة هنري بولسون عرضا اسطوريا بقيمة 700 بليون دولار (ضعف تكلفة الحرب على العراق للآن) لشراء الرهونات العقارية المهزوزة والمشكوك فيها منعا لانهيار البنية المالية الاساسية. اليوم تعود لأمريكا أدوار الحكومات «الكبرى»، الحكومات التي تمتلك وتدير وتسيطر على المال والاقتصاد، وهي المسألة التي سعت لسنوات طويلة للخلاص منها وفتح المجال المطلق لسياسات السوق المفتوح والحر وتبني قوانين السوق ولا غير السوق. ستعود التشريعات المتحكمة والرقابة المدققة ومعها ستعود طبقات من البيروقراطية والروتين ومزيد من الحوكمة والمحاسبة ومعها سترتفع بعض الاسوار والقيود على حركة الأموال والأفراد عبر حدود دول العالم، وبالتالي سيعلو سطح العالم تلالا وجبالا وهضبات جراء ما حدث، وبالتالي لن يكون العالم «مسطحا» كما كان يراه «عراب» العولمة الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان. هناك مخاوف حقيقية من أن يكون ما حدث للآن ما هو إلا رأس الجبل الجليدي المغمور تحت مياه البحر وأن الكارثة الكبرى الحقيقية لم تظهر بعد للآن. غير معروف مدى تأثير الاحداث المالية الخطيرة الأخيرة هذه على وضع العملة الأمريكية نفسها وعلى قدرتها الشرائية وجاذبيتها للاستثمار فيها، هناك مخاوف من قدرة أمريكا نفسها على جذب الاستثمارات الدولية على أقل تقدير في الفترة القريبة الحالية، لأن حجم الخسائر التي تكبدتها المؤسسات الدولية العملاقة في السوق الأمريكية بلغ أرقاما صعبة التصديق والتبرير، ويؤكد هذا التوجه أنه بالرغم من وجود أسعار مغرية جدا لكثير من الشركات الأمريكية في سوق الاسهم المنهارة، ومع ذلك لم تتقدم مؤسسات مالية كبرى أو مستثمرون عالميون من أصحاب التوجه الاستراتيجي في الاستثمار (والذين عرف عنهم في السابق استغلالهم التام لهكذا ظروف ولهكذا فرص) للشراء في السوق المضطرب. الاقتصاد تحول الى كرة ملتهبة يتقاذفها مرشحا الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ماكين وأوباما، كل يلوم الآخر على أنه لم يقم «باللازم» للتحذير من أهوال ما حدث، ولكن من اللافت جدا أن ماكين يحاول وبقوة أن لا يحسب نفسه «الآن» على ادارة جورج بوش، وحتى يشير على أنه مرشح الحزب الجمهوري ولكن يركز على أنه جون ماكين فقط لإدراكه تماما ان إرث جورج بوش هو حمل ثقيل ومأساة كبرى لا تساعد أي مرشح على الفوز أو تدعم حملته. الأزمة الاقتصادية الامريكية لم تبلغ القاع حتى الآن والظلمات لا تزال مستمرة حتى يظهر الضوء في آخر النفق.

[email protected]