قرى اللوز

TT

سألت الزميل عماد الدين أديب أين سيمضي عطلة الصيف مع عائلته، فقال في جزيرة كريت اليونانية، بحثاً عن الهدوء وبعيداً عن الصخب العربي في أوروبا. ورويت له ان لي علاقة قديمة مع كريت، من الصعب ان أشرحها. ففي الستينات اكتشفنا، من خلال السينما، وفيلم «زوربا»، الكاتب اليوناني الراحل نيكوس كازانتزاكيس. وبسبب من سيدة يونانية تجمع ما بين «فينوس» و«افروديت» قرأت مؤلفات الكاتب بحماس شديد. وبقيت أعود اليها الى سنوات قليلة خلت. وفي العام 1974 قررت السفر الى كريت بحثاً عن اماكن كازانتزاكيس وتلاله وأشجاره، وأولئك الرعيان الذين لم يكن لهم من رفاق «سوى الناي والغنم والصعتر».

منذ سنوات لم أعد في مزاج قراءة كازانتزاكيس. ولا أدري ان كان السبب فيه أو في جذوة السنين وقد بدأت تخبو. لكنني أخبرت الزميل عماد الدين أن اهم ما أذكره عن الكاتب قوله إن الضيف في كريت هو الملك الوحيد. ويروي انه حين كان شاباً وصل الى احدى القرى في الاصيل، وليس من مكان ينام فيه. فقرع باب امرأة عجوز يسألها على منزل العمدة، فسألته ما الغرض فأخبرها، فقالت يا بني بيتي شديد الفقر ولا فراش يليق بضيف، فاتبعني الى منزل العمدة.

فتبعها الى طرف القرية حيث منزل حجري قديم، فقرعت الباب ففتح رجل أشيب الشعر طويل القامة، فأبلغته العجوز أن الشاب ضيف يبحث عن مبيت، فاستمهله الرجل قليلاً ثم عاد وفتح الباب ورحب به. وفيما كان يتخذ مقعده في الدار سمع صوت جلبة خافتة وخطوات ثقيلة. وقال العمدة معتذراً: زوجتي مريضة فاعذرها. وسوف أعد لك العشاء بنفسي.

لاحظ الضيف أن في عيني مضيفه آثار بكاء، لكنه لم يحب التطفل وفي الصبح حمل العمدة إليه صينية عليها خبز وجبن وحليب. شكره ونهض وخرج. وفي طرف القرية رأى راعياً سأله أين كان فقال في بيت العمدة. تنهد الراعي في أسى وقال: هل كنت هناك للعزاء؟ فأجاب: عزاء ماذا؟ لم أرَ شيئاً. لم أسمع شيئاً. قال الراعي: لقد فقد العمدة ابنه الوحيد أمس. ولا بد انهم نقلوه الى غرفة داخلية لكي لا تنزعج. لقد كبحت النسوة عويلهن.