لماذا اخافهم الاعتذار؟

TT

سمير جعجع كان واحدا من عشرات قادة الميلشيات اللبنانية المتحاربة، تورط منذ ان كان طالبا في الجامعة بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 75 حتى صار قائدا لميلشيا القوات اللبنانية، الجناح العسكري لحزب الكتائب.

15 عاما من الحرب العبثيه انتهت بتوقيع اتفاق الطائف. جعجع تمت محاكمته على جرائم الحرب وحبس في قبو تحت الأرض في وزارة الدفاع لعشر سنوات.

عمليا، جعجع هو الزعيم اللبناني الوحيد الذي دفع الثمن على جرائم الحرب الاهلية في لبنان، حوكم وسجن، وهو الوحيد الآن الذي وقف بشجاعة فاعترف وأعلن عن ندمه واعتذر لضحاياه.

وقيمة اعتذاره انه وقف واعتذر دون ان يطالبه أحد بالاعتذار، كما انه اعلن عن اعتذاره بعد ان خرج من السجن وليس تحت سلطة التهديد بالقوة او مساومة ثمنا لاطلاق سراحه عندما اطلق سراحه قبل ثلاث سنوات. ولنتذكر اننا نتحدث عن ساحة مارس فيها، تقريبا، كل زعماء الميلشيات الذبح ضد خصومهم في سنوات الحرب الأهلية، مع هذا ليس بينهم واحد غيره، حوكم، او سجن، او اعتذر. بل ان معظمهم قلد مناصب عليا في اعقاب نهاية الحرب الاهلية.

ولنتذكر ان جعجع اعتذر اليوم وهو يملك ثاني قوة ميلشيا عسكرية على الأرض، بعد حزب الله، اي انه اعتذار القوي لا الضعيف.

الا ان اعتذار زعيم القوات قوبل بالاستنكار والشجب لأنه اخاف الآخرين، وأحرج البعض الآخر. لا أحد منهم يريد ان يقر بذنبه، ولا ان يعتذر عن جرائمه. جرائم لم توفر ابناء المخيمات ولا سكان القصور. وبدل ان يشكر جعجع على مبادرته، ويقظة ضميره، وشجاعته، تنطع البعض لمهاجمته كمجرم يستحق العقاب ناسين انه ليس المجرم الوحيد بين القيادات السياسية، بل الوحيد الذي عوقب ودفع الثمن.

وبدون ان يقف بقية قادة الميلشيات السابقين الحاليين ويعتذروا عن افعالهم لا تكون الحرب الأهلية قد طويت، فالاعتراف والندم شرطان لنهاية اي حرب، والا فانه مجرد هدنة. بدل ان يضيع اللبنانيون نقاش دوافع جعحع من الاعتذار، لانها مهما كانت غير مهمة الا لنفسه، عليهم ان يطالبوا البقية ان يحذوا حذوه. واذا كان الاعتراف والاعتذار يضعهم في موقف سياسي صعب، ولا يملكون شجاعة جعجع بامكانهم ان يجعلوها حفلة اعتذار جماعية تعبر فقط نهاية حقبة الكراهية وبدء صفحة جديدة.

اعتقد ان ما فعله جعجع اكبر من ان يصور مجرد لعبة سياسية، لانها لا تفيده، بل تؤكد ان امامنا رجلا مختلفا، بخلاف بعض القيادات التي لا تزال تصر على الذنب وتكراره. القصة هُم لا جعحع، والسؤال لماذا لم يعتذروا وليس لماذا اعتذر؟

[email protected]