المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. صراعات لكنها في إسرائيل تحت السيطرة

TT

لا أسوأ ولا أكثر بؤساً من الوضع الفلسطيني المتشظي كإبريق زجاجي سقط على صخرة صوانية من ارتفاع ألف متر، إلا الوضع الإسرائيلي حيث هناك أربع عشرة كتلة ممثلة في الكنيست كل كتلة تزايد على الكتل الأخرى وكل هذه الكتل تشعر بسعادة غامرة لأن رئيس الوزراء «المغادر» أيهود أولميرت مشى على طريق الفساد والموبقات الأخلاقية التي مشى عليها عدد كبير من قادة الدولة التي عندما أقامها «الآباء المؤسسون» قالوا إنها ستكون دولة القيم التي لا تشبهها أي دولة عرفها التاريخ !

وبالمقابل فإن الوضع الفلسطيني لم يمر بما هو أسوأ من هذا الوضع إذ ان هناك مقابل دولة الإسرائيليين الفعلية والحقيقية، التي هي أقوى دول المنطقة والتي جيشها يأتي في مقدمة أهم الجيوش العالمية، دولتين محتلتين بائستين، الأولى دولة رام الله والثانية دولة غزة وكل دولة منهما تعتبر الصراع مع شقيقتها صراعاً إفنائياً، إمَّا قاتل أو مقتول، في حين أنها تضع الهدنة والتهدئة مع «العدو المغتصب» في حدقات العيون.

الآن بعد انفراط عقد حكومة أيهود أولميرت ينخرط الإسرائيليون في مساومات تشترك فيها كل هذه «الكُتل» التي تشكل اللوحة الفسيفسائية المتعددة الألوان للحياة السياسية الإسرائيلية والآن في الوقت ذاته فإن الفصائل الفلسطينية، التي أغلبها وهمي ولا وجود له إلا على لوائح الدعوات الرسمية على مستويات منخفضة في دمشق، تتناوب على الذهاب الى القاهرة للحديث مع المضيف المصري عن وحدة وطنية الواضح أنها غدت بعيدة المنال.

لكن يبقى ان ما يجب ألاَّ يغيب عن البال هو ان إسرائيل دولة حقيقية قائمة وأن صراع كُتلِها وقواها يأتي في إطار ما يسمى «التعارض ضمن الوحدة» وأن ولاءات كل هذه الكتل داخلي بينما بالنسبة للفلسطينيين هناك دولتان وهميتان وهناك أكثر من «دزينة» من التنظيمات التي معظمها وهمية ولدت أساساً في مراكز وأقبية مخابرات بعض الدول العربية وغير العربية وهذا هو ما يجعل الحالة الفلسطينية مقارنة بالحالة الإسرائيلية محزنة وبائسة وتبعث على اليأس والإحباط أكثر مما تبعث على التفاؤل والأمل.

هناك مماحكات وألاعيب سياسية في إسرائيل تمارس الآن بين الكتل البرلمانية المختلفة والمؤتلفة بما هو أكثر من القسوة وأشد وطأة من المؤامرات لكن كل هذا يجري على أساس المصالح العليا للدولة وعلى أساس الحرص على هذه المصالح أما بالنسبة لـ«الأشقاء» الفلسطينيين فإن الأمور مختلفة وان نَصْب «حماس» كمين للرئيس محمود عباس (أبومازن) عند منعطف التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل يعني الفراغ ويعني النهاية المحتومة لهذا الكيان الفلسطيني الناشئ ويعني القضاء على منظمة التحرير التي يعترف بها العرب ومعهم العالم كله، حتى بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، وقطع الطريق على الدولة المستقلة المنشودة.

يوم الأحد الفائت حملت كبريات الصحف العربية والعالمية بالنسبة للأوضاع المُستجدة في إسرائيل العناوين التالية: أولميرت يستقيل رسمياً وليفني تحاول إثبات جدارتها أمام نتنياهو وباراك أما بالنسبة للأوضاع الفلسطينية البائسة والمحزنة فإن عناوين هذه الصحف قد تعددت كثيراً ومن بينها: صراع وجودي بين «حماس» و«فتح» والسلطة تخشى من عمليات اغتيال.. قائد الأمن الوطني بالضفة يتحدث عن ان الخيار العسكري قائم لاستعادة غزة .. وهنية يقول: تعرضنا لمؤامرة من بعض الفلسطينيين والعرب !

إنه من المبكر الحديث عن خريطة سياسية واضحة في إسرائيل في المرحلة التي استجدت بعد تنحي أولميرت وإفساح الطريق لزميلته في حزب «كاديما» نفسه تسيبي ليفني لتشكيل حكومة جديدة تشير التقديرات الأولية الى أنها ستكون وفقاً للتحالفات إياها التي كانت تقوم عليها الحكومة السابقة حيث كان هناك اصطفاف ضد حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو يضم بالإضافة الى هذا الحزب الأكبر أي حزب «كاديما» كلاً من حزب العمل وحزب «ميرتس» وحزب «شاس» الانتهازي المتدين ومجموعات هامشية أخرى.

وإزاء هذا الواقع الذي استجد في إسرائيل بعد رحيل أولميرت تحت فضائح الفساد التي أحاطت به من كل جانب فإن السؤال الذي يطرحه الآن الإسرائيليون على أنفسهم ويطرحه غيرهم عليهم هو: هل ان تسيبي ليفني، إن هي تمكنت من تشكيل الحكومة الجديدة، ستستمر في السير على الطريق الذي سار عليه رئيس الوزراء «المغادر» وهل هي قادرة على اتخاذ القرار الصعب الذي يتوقف عليه نجاح العملية السلمية المتعلق بموضوع القدس وموضوع اللاجئين..؟!

هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار ورغم كل ما يقال عن يمينية ليفني و«ليكوديتها» ان ما كان قاله أيهود أولميرت قبل أيام حول انتهاء حلم إسرائيل التاريخي وحول ضرورة الاعتراف بشعب آخر في الأرض التي يعتبرها الإسرائيليون أرضهم التاريخية الموعودة هو الشعب الفلسطيني والاعتراف بدولة مستقلة لهذا الشعب في هذه الأرض نفسها لا يمثل قائله فقط وإنما يمثل تياراً إسرائيلياً يسود اعتقاد بان رئيسة الوزراء المكلفة جزء منه بل وهي في طليعته. كل الفلسطينيين الذين عرفوا ليفني عن قرب وتعرفوا على آرائها ومواقفها بالنسبة لعملية السلام على طاولة المفاوضات يؤكدون أنها لا تختلف من حيث الجوهر مع توجهات أولميرت وأنها توافق على كل ما قاله حول نهاية الحلم التاريخي الإسرائيلي وحول ان عامل الزمن لم يعد في مصلحة إسرائيل وأنه لابد من أن يعترف الإسرائيليون بأخطائهم وأنه لا مناص من الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبحقه في «الأرض الموعودة» وإقامة دولته المستقلة المنشودة الى جانب الدولة الإسرائيلية.

ولعل ما يعزز هذه التأكيدات الفلسطينية ان ليفني نفسها كانت قد ردت على محاولات إحراجها من قبل حلفائها المفترضين ومن قبل الأعداء الذين يسعون لإسقاطها حتى قبل ان تشكل الحكومة التي تسعى لتشكيلها، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو وحزبه حزب «الليكود»، بالقول إنها لن تقبل في حكومتها حزباً يعرقل عملية السلام وهذا معناه أنها مصممة على السير على ذات الطريق الذي سار عليه سلفها أيهود أولميرت الذي تحدثت بعض المعلومات عن أنه عرض على زميلته في حزب «كاديما» صفقة تقضي بأن يساعدها في تشكيل الحكومة التي تسعى لتشكيلها مقابل ألا تعترض على الجهود التي بذلها للتوصل الى اتفاق سلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن).

إن هذا هو واقع الحال في إسرائيل وأن كل التقديرات تشير الى ان ليفني لن تحيد كثيراً عن طريق السلام الذي سار عليه، أولميرت إن هي استطاعت تشكيل الحكومة التي من المفترض ان تشكلها في أسرع فرصة ممكنة وضمن المهلة الزمنية التي يحددها الدستور الإسرائيلي، أما واقع الحال بالنسبة للفلسطينيين فإنه كارثة الكوارث بالفعل فهذا الحوار الذي يجريه «الأشقاء» المصريون مع كل هذه الفصائل الفلسطينية الحقيقية والوهمية غير متوقع ان يؤدي الى أي نتيجة على الإطلاق ثم وأن متابعة كل ما يجري بين رام الله وغزة تؤكد ان حالة الانقسام المزري لا حل لها في الأفق على الإطلاق وأن هذه الحالة قد تشهد المزيد من السوء إذا حاولت «حماس» مدَّ نفوذها بالقوة الى الضفة الغربية.

إنه لا أمل بأي انفراج بالنسبة لجبهة الاشتباك الفلسطينية ـ الفلسطينية فـ«الأجندات» متضاربة والقلوب متورمة بالأحقاد وحب السَّلطة بالنسبة لحركة «حماس» طغى على حب فلسطين وهذا معناه ان محمود عباس سيمضي بالحل المنشود مع تسيبي ليفني من الآن فصاعداً على أساس ان وضع غزة مؤجل وأن إنجاح التجربة في الضفة الغربية سيعزز مكانة المعتدلين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تشير أكثر الاحتمالات تفاؤلاً الى أنها لن تجري قبل الموعد الذي إعتبره خالد مشعل نهاية ولاية «أبو مازن» وهو التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل.