ماكين الجديد.. والوجه القبيح

TT

بعد خسارته أمام جورج دبليو بوش في انتخابات ولاية كارولاينا الجنوبية التمهيدية عام 2000، فعل جون ماكين شيئا غير عادي: فقد اعترف بأنه كذب في ما يتعلق بما كان يشعر به حيال العلم الكونفدرالي العسكري، والذي كان يكرهه بالفعل. وقد قال ماكين: «لقد نقضت عهدي بأن أقول الصدق دائما». والآن فقد نقض هذا العهد تماما لدرجة أنه من غير الممكن أن نجد فيه جون ماكين القديم. لقد أصبح مثل ذلك النوع من السياسيين الذين كان يحتقرهم.

جاءت لحظة حاسمة لإذلال ماكين، هل تصدق؟ لم يكن ذلك في مؤتمر صحافي أو في أحد برامح يوم الأحد، ولكن في برنامج «ذا فيو» التلفزيوني الصباحي الذي بدأته باربرا والترز. في الأسبوع الماضي، انتقدت جو بيهار إحدى المذيعات المشاركات في البرنامج جون ماكين بسبب بعض الإعلانات التي تعرضها حملته الانتخابية. كان أحدها يزيف ما قاله باراك أوباما من «وضع أحمر شفاه لخنزير»، وهو تعبير أميركي جديد استخدمه ماكين نفسه. وأكد إعلان آخر على أن أوباما يؤيد تدريس التربية الجنسية في رياض الأطفال.

قالت بيهار: «نعرف أن هذين الإعلانين غير صحيحين. إنها أكاذيب».

تجمد الموقف. واقتربت الكاميرا من وجه جون ماكين. كانت هذه هي اللحظة. لقد كان يتجنب الصحافة على نحو كبير. إن شعار «الكلام الصادق» أصبح الآن مجرد علامة تجارية، أو شعار دعائي مثل «الطهي في المنزل» أو «لن نكون أقل سعرا». وحتى ذلك الوقت، كان من الممكن لماكين أن يقول إنه لم يكن يعرف بالفعل شيئا عن هذه الإعلانات، حيث كانت جملة «أنا أتفق مع هذه الرسالة» مجرد صيغة لا يترتب عليها شيء. ولكنه لم يفعل.

لكنه قال: «في الحقيقة، إنها ليست أكاذيب».

في الحقيقة، إنها أكاذيب.

لقد تحول ماكين إلى وجه قبيح. إن عدم صدقه غير مقبول في أي سياسي، ولكن كان ماكين كثيرا ما يضع نفسه في مكانة أعلى من معظم السياسيين. إنه يشعر بالازدراء تجاه معظم زملائه لنفس هذا السبب: أنهم يكذبون. إنه يقول الحقيقة، ويتبع مبدأ عائلة ماكين، جده ووالده اللذين كانا أدميرالين في البحار. وهو يقدم خدماته للوطن بصورة مختلفة عنهما على نفس النهج الجدير بالاحترام. ولكن لم يعد الأمر كذلك. وقد كنت أحد الصحافيين الذين اتهموا طوال الأعوام بأنهم يتخذون صف ماكين.

مذنب. كان هؤلاء الذين يتهمونني يرجعون شعوري تجاه ماكين إلى إمكانية الوصول إليه. هذه فلسفة الصحافي الدمية: إذا أعطيتنا شيئا، فسنكون معك. الأمر ليس كذلك، فأكثر ما أثار إعجابي تجاه ماكين هو الأثر الذي كان يحدثه في جمهوره، وخاصة الشباب. فعندما تحدث عن الخدمة من أجل قضية أكبر من الذات، أصاب وترا حساسا. وعبر عن رسالته في كلمات، ولكنه جمعها في قصة ماكين، ذلك الرجل، الذي تعرض للضرب حتى أصيب إصابات بالغة، وفضل الشرف على الحرية. هذا ليس له علاقة بإمكانية الوصول إليه. بل له علاقة بالاستقامة.

لقد لوث ماكين كل ذلك. إن اختياره الانتهازي وغير المسؤول لسارة بالين كوريثته السياسية، وهي الشخصية التي قد يترك البلاد في يديها، نوع من الخيانة الشخصية، والخيانة لكل ما كان ماكين يمثله في الماضي. إن بالين، بغض النظر عن أي من مميزاتها الأخرى، غير معدة لأن تصبح رئيسة، وذلك على نحو صادم. يعرف ماكين هذا الأمر. إنه يريد أن يفوز، وهذا حسن؛ ولكنه يريد أن يفوز بأي ثمن، وهذا ليس حسن.

في منتدى عقد الأسبوع الماضي في جامعة كولومبيا، قال ماكين: «ولكن الآن علينا أن نعيد الأمل والثقة في الحكومة». كان هذا دوما هو وعد جون ماكين، وهذا هو السبب الأفضل الوحيد لانتخابه. لقد خدع الكثيرون أميركا مرات عديدة، بأكاذيب فيتنام، ووترغيت، والعراق. الكثير جدا من الأكاذيب. من يصدق أن في أفغانستان الشهر الماضي، قتل خمسة مدنيين فقط بأيدي الجيش الأميركي في هجمة جوية، بدلا من حوالي 90 مدنيا تدعي الحكومة الأفغانية أنهم قتلوا؟ ليس أنا.

لقد فقدت الأمل في الجيش أثناء حرب فيتنام، وبعد ذلك، عندما تستر على مقتل بات تيلمان جندي القوات المسلحة ولاعب كرة القدم الأميركية السابق بسبب نيران صديقة عام 2004. كان ماكين سيصلح كل هذا. كان سينظر في أعين الشعب الأميركي ويقول ليس أنا. أنا لن أكذب عليكم. أنا جون ماكين، ابن وحفيد الأدميرالين. أنا أقول الصدق.

ولكن جوي بيهار تعرف أكثر. وهكذا كذب ماكين بشأن كذبه، وربما يفكر في أنه إذا فاز بالانتخابات يمكنه، كما فعل في كارولاينا الجنوبية، أن يتبرأ مما هو عليه ومما فعله وأن يعود إلى شخصيته القديمة. هذا لن ينجح. لقد قال كارل ماركس مقولة صائبة، عندما كتب إن التاريخ يعيد نفسه. في المرة الأولى مأساة، والمرة الثانية مهزلة. وجون ماكين هو الاثنتان معا.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»