هل نسي أردوغان حلم تركيا؟

TT

بعد أن تخطت تركيا بشق الأنفاس مسألة رفض الاتحاد الأوروبي مطلب انضمامها إليه ودخلت في مرحلة واعدة، عنوانها الكبير القبول المشروط، ها أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يلقي بقنبلته الموقوتة دون وعي بتبعات تصريحاته المخلة بأهم شروط قبولها في النادي الأوروبي.

ففي تصريحاته الأخيرة، حث أعضاء حزبه على مقاطعة وسائل الإعلام التي اتهمها بأنها تشوه حزبه وفاقدة للمصداقية وأيضا دعا إلى شن حملة ضدها بسبب موجة الانتقادات الشديدة والخطيرة التي وجهتها للحكومة وتتعلق بتهمة تورطها في قضايا فساد.

وعندما نقابل بين هذه التصريحات وبين مؤاخذات الاتحاد الأوروبي على تركيا وتردده الطويل والمفتوح حول قبولها في الاتحاد الأوروبي، فإن ما ننتهي إليه هو أن أردوغان قد ضرب بعرض الحائط بشرط تأمين حرية الصحافة التي لا تزال تعاني في تركيا من مشاكل. وهو ما يعني أن الأصوات الرافضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، سترتفع عاليا وستجد حجة إضافية تقوي من خلالها موقفها وإصرارها على استحالة القبول بأوربة تركيا المسلمة.

طبعا قد يرى البعض في الأمر مبالغة وأن التصريحات السياسية هي مادة شفوية لا تحظى بقيمة فعلية في العلاقات الدولية وفي تشكيل المواقف السياسية. ولكن الحال مع تركيا جد مختلف وكل زلة لسان أو تصريح تُشم منه روائح غير ديمقراطية، فإنه ينعكس ضدها أجلا أم عاجلا خصوصا إذا ما تعلق الأمر بملف حقوق الإنسان وحرية الصحافة والمسألة الكردية والقضية القبرصية.

من جهة أخرى يحمل تصريح أردوغان دلالات سلبية من أهمها أن الثقافة السياسية في تركيا متخلفة ولم تتخلص بعد من سمات الديكتاتورية والإلغاء والتسلط وغطرسة الحكم العسكري. زد على ذلك أن الآذان والعيون مجندة في أوروبا للنبش في باطن الخطاب السياسي التركي وظاهره لاسيما أن الحزب الحاكم يحمل خلفية دينية إسلامية وستقع كل التصريحات المعادية لحرية التعبير ولحرية الإنسان مع الأسف على عاتق الإسلام الذي يعتنقه حوالي 97 في المائة من الشعب التركي.

لذلك فإن تصريحات أردوغان ضد صحافة بلاده وصولا إلى دعوة أعضاء حزبه عدم حمل الصحف التي تنتقد الحكومة إلى بيوتهم، تعتبر سقوطا سياسيا خاصة بالنسبة إلى الحلم التركي الكبير الطامح إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والذي بدأت تقطع تركيا في سبيل معانقته خطوات مهمة في مسار الإصلاحات المطلوبة، كشروط غير قابلة للنقاش.

أما إذا كان أردوغان يعي ما يقول وتصريحاته ليست نتاج فورة غضب شديدة، فإنه في هذه الحالة يصح القول إن أردوغان أشد المتأكدين من استحالة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وهو موقف يتبناه عديد الأتراك ويتعاطون معه كيقين، مستندين في مقاربتهم إلى أن أوروبا العلمانية والمسيحية في آن لا تقبل ببلد مسلم يشاركها بالعضوية وفي القرار والحال أن تركيا تتمتع بثقل ديمغرافي يرهب المجتمعات الأوروبية الهرمة، إضافة إلى عمق تغلغل الدين الإسلامي في الكيان الثقافي التركي وهو ما لا يتماشى مع طبيعة الاتحاد الأوروبي ومع المجتمعات الأوروبية، التي يتنامى في خيالها الاجتماعي والثقافي وحتى في أنماط سلوك وتفكير البعض منها الموقف السلبي من الإسلام ومعتنقيه.

هكذا فقط يمكن أن نفهم تصريحات أردوغان ضد وسائل إعلام بلاده.. وبالتالي فهو لم ينس حلم تركيا الأوروبي وإنما كشف دون مناسبة عن أن ذلك الحلم قد أسقط من اعتبارات النخبة غير العلمانية في تركيا، التي ترى أن باب الاتحاد مغلق أمامها حتى ولو استجابت لكل الشروط بما فيها التعجيزية وغير المطلوبة منها.

[email protected]