المحافظون والإصلاحيون في إيران.. وجها لوجه

TT

الانتخابات الرئاسية الإيرانية ستجري في الثاني عشر من حزيران/يونيو من العام القادم وتنتهي الدورة الأولى من رئاسة الرئيس احمدي نجاد في أيار/مايو من العام القادم. ويعتبر الرئيس الإيراني من ابرز مرشحي الانتخابات الرئاسية القادمة. ويرى أنصار الرئيس احمدي نجاد بأنه سيفوز في الانتخابات وسيهزم منافسيه وعلى رأسهم الرئيس السابق محمد خاتمي الذي لم يعلن حتى الآن استعداده للمشاركة في الانتخابات القادمة، ولكن حزب الاعتماد الوطني الذي يرأسه الرئيس السابق للبرلمان الإيراني مهدي كروبي رشح رئيسه للانتخابات الرئاسية مبكرا، وهو أول مرشح إصلاحي في الانتخابات القادمة. العديد من المراقبين يرى أن المنافسة الحقيقية في الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون بين الرئيس احمدي نجاد والرئيس السابق محمد خاتمي إذا قبل الأخير الترشح للانتخابات، كما يرى العديد من المراقبين أن المرشحين الآخرين المطروحة أسماؤهم، ومنهم مهدي كروبي وعلي لاريجاني وحسن روحاني وعلي اكبر ولايتي ومحمد باقر قاليباف ومحسن رضائي، إما انهم سيتنازلون لأحمدي نجاد أو لخاتمي أم ينزلوا الي الانتخابات بدون أن يحصلوا علي أصوات تذكر كما حدث بالنسبة للانتخابات الرئاسية عام 2005 حيث فاز فيها الرئيس احمدي نجاد وهزم منافسه الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني. فإذا كان المنافسان الرئيسيان في الانتخابات هما احمدي نجاد وخاتمي فإنهما مدعومان بقوة من تيارين كبيرين علي الساحة الإيرانية.

* التيار المحافظ الذي يدعم احمدي نجاد يسيطر حاليا علي جميع مراكز السلطة في إيران وخاصة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وبيده وسائل الإعلام الحكومية وبإمكانه أن يعبئ جميع إمكانيات الحكومة لدعم مرشحه للرئاسة احمدي نجاد لخوض الانتخابات الرئاسية، ولكن هذا التيار منقسم على نفسه بسبب الآراء المتباينة لأعضائه من أهمها القضايا الداخلية والخارجية.

* التيار الإصلاحي الذي يحتل حوالي ربع مقاعد البرلمان ويشكل الإصلاحيون أقلية فيه، هم الآن يقفون خارج الحكم وعيونهم ترنو الي كرسي الرئاسة يدعمون بالإجماع محمد خاتمي ويشجعونه علي الترشح للانتخابات من اجل الفوز في هذه الانتخابات وإضعاف التيار المحافظ ووقف تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران كما يقولون.

التياران الرئيسيان يختلفان في العديد من القضايا الداخلية والخارجية وكل تيار له وجهات نظره ومواقفه والرئيس الإيراني الذي يمثل التيار المحافظ يعتقد أنه يحظى بدعم أغلبية الشعب الإيراني في مواقفه التي يكررها كل يوم. ولكن الرئيس السابق محمد خاتمي لم يعتزل السياسة كما يزعم معارضوه وانه يعتقد أن السياسي لا يمكنه أن يتقاعد وعليه أن يعمل من اجل البلاد والعباد. التياران يختلفان في كثير من القضايا منها:

البرنامج النووي: الرئيس الإيراني يرى بأن مواصلة البرنامج النووي الإيراني حق طبيعي للشعب الإيراني وتدعمه القوانين الدولية وهو يرفض بشده ما تطالب به القوى الكبرى الست إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم، ويرى بأن البرنامج النووي الإيراني هو برنامج سلمي ولا ترغب إيران في إنتاج الأسلحة النووية ولا تؤمن بالقنبلة الذرية. والرفض الإيراني لمطالب القوى الكبرى أدى الي أن يصدر مجلس الأمن ثلاثة قرارات ضد إيران فرضت بموجبها عقوبات اقتصادية عليها، وتهدد الولايات المتحدة وإسرائيل، إيران بشن هجوم على مراكزها النووية لمنعها من صنع القنبلة الذرية. الرئيس الإيراني لا يرى بأن الولايات المتحدة وإسرائيل قادرتان على ارتكاب حماقة جديدة ضد إيران ولا يمكن لهما المجازفة والهجوم علي ايران لأنهما غير قادرتين على هذا الفعل وان القوات المسلحة الإيرانية ستقطع يد اعداءها اذا تجرأوا علي مهاجمة منشآتها.

التيار الإصلاحي يرى بأن على ايران ان تقبل بتعليق تخصيب اليورانيوم كما فعلت ا في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي من اجل رفع العقوبات الدولية عنها وتجنب هجوم عسكري أمريكي أو إسرائيلي يدمر الأخضر واليابس، ويري هذا التيار بأن ايران لا يمكنها ان تقف في مواجهة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، بل عليها آن تتعاون معهم في مواجهة الإرهاب والتطرف.

ويضرب التيار الإصلاحي مثلا لسياسات الرئيس السابق محمد خاتمي الذي طرح خلال حكمه شعار حوار الحضارات، وتمكن من كسب احترام العالم. وينتقد الإصلاحيون موقف الحكومة الحالية من الملف النووي ويرون بأن السبيل الوحيد لحل هذه القضية هو مواصلة الحوار والقبول بالمطالب الدولية، أي تعليق تخصيب اليورانيوم حتى ولو بصورة مؤقتة وعدم التضحية بأمن واستقرار إيران مقابل استفزاز القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة.

السياسة الخارجية: الرئيس الإيراني اتخذ منذ توليه الحكم موقفا متصلبا من إسرائيل ودعا الي زوالها ودعم حركة حماس، كما أكد كذب محرقة اليهود المسماة بالهولوكوست، معتبرا ان الهولوكوست هو من عمل الصهاينة أنفسهم لابتزاز الأوروبيين. الرئيس الإيراني سعي الي تعزيز العلاقات مع دول الجوار وقام بزيارات متعددة الي الدول المجاورة، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسوريا وتركيا، وشارك في مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، ولكن الحكومة الإيرانية أكدت على أن الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسي هي جزر ايرانية وجزء لا يتجزأ من الأراضي الايرانية، ورفضت شكوى الإمارات العربية المتحدة الي الأمم المتحدة ودعوتها لطرح قضية الجزر علي محكمة لاهاي الدولية، ودعت الي الحوار بينها وبين الإمارات. التيار الإصلاحي يعترض علي سياسة الحكومة الحالية ويرى بأنها باتخاذها مواقف متصلبة من اسرائيل ودعم حركه حماس وحزب الله ستجعل ايران تدفع ثمنا غاليا. كما ان الإصلاحيين يرون ضرورة الكف عن طرح الشعارات المتطرفة التي لا تصلح لهذا العصر والاندماج مع دول العالم ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية وإبعاد شبح الحرب عن ايران التي ذاقت طعم الحرب لمدة ثماني سنوات.

العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية: الرئيس احمدي نجاد هاجم الولايات المتحدة منذ توليه الرئاسة بسبب مواقفها العدائية من إيران ودعا الي حوار ومناظرة مع الرئيس بوش، ولكن بوش لم يرد علي دعوته بل ظل يعتبر ايران احد محاور الشر، ويدعو ايران الي تعليق تخصيب اليورانيوم، موجها ضغوطا عليها وداعيا مجلس الأمن والدول الأوروبية الي فرض عقوبات علي ايران. الرئيس الايراني اعلن عدة مرات بأنه يريد ان يتحاور مع الولايات المتحدة ولكن من دون شروط، وقد قبلت إيران إجراء محادثات على مستوى السفراء في بغداد، واجرى السفيران الإيراني والأمريكي في بغداد ثلاث جولات من المحادثات حول الأمن في العراق، ولكن هذه المحادثات لم تتطور الي بحث العلاقات الثنائية، ولكن الرئيس الإيراني أعلن بان ايران ستدرس طلبا للولايات المتحدة لفتح مكتب لرعاية المصالح الأمريكية في طهران اذا طلبت من ايران. التيار الاصلاحي يريد الدخول في حوار مع الولايات المتحدة من اجل حل القضايا العالقة ويرى بأن استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة سيزيل كثيرا من مشاكل ايران.

الأوضاع الاقتصادية: الرئيس الإيراني احمدي نجاد خلافا لمعارضيه يرى بأن الوضع الاقتصادي في ايران في تحسن مستمر، وان حكومته تعمل ليل نهار من اجل خفض مستوى التضخم، وهي تحارب الغلاء ولكن هناك من يضع العصي في دواليب حكومته ويتجاهل منجزات الحكومة، وخاصة جهودها من اجل تنفيذ خطة التطور الاقتصادي وزيادة الاستثمار وتحسين أوضاع المواطنين والحد من البطالة، وذلك بتقديم قروض للشباب، ولكن معارضي الرئيس الإيراني وخاصة الإصلاحيين يرون بأن حكومة احمدي نجاد سوف تسقط في الانتخابات بسبب عدم تنفيذ برامجها ووعودها للمواطنين، وهي لم تأت للشعب الا بالغلاء والتضخم والمشاكل الاقتصادية، وصرفت أموال النفط على مشاريع مجهولة وبسبب عدم كفاءة الحكومة يواجه المواطنون في الصيف انقطاع الكهرباء وفي الشتاء انقطاع الغاز وهي الدولة المصدرة للنفط والغاز الي الدول الأخرى. المعارضون يرون بأن التضخم وصل الي مستويات كبيرة رغم ان عائدات النفط زادت بنسبة 5/2 وزادت ديون ايران من 23 مليارا الي 28.5 مليار دولار، كما ان المعارضين وخاصة الاصلاحيين لا يرون بأن خطة الرئيس احمدي نجاد واضحة المعالم لأن الفقراء زادوا فقرا والأغنياء ازدادوا غنى، وهذا يظهر ضعف الحكومة في برامجها الاقتصادية وعدم تمكنها من ادارة البلد، ويرى الإصلاحيون بأن الشعب الإيراني سوف لن يصوت لأحمدي نجاد في الانتخابات القادمة خلافا للرئيس الإيراني السابق الذي أدرك الجميع انه هو الذي سيخلص إيران من أزماتها ومشاكلها الداخلية المستعصية.

* كاتب وصحافي إيراني