فتاوى كرتون

TT

لم تكن السيدة التي كانت تعبر عن قلقها وذعرها وخوفها وشكلها حين قالت «الفار بيلعب في عبي» تدرك أنها ترتكب خطأ باستخدامها لتشبيه مرفوض، أو حينما ذكر المثل المعروف «تمخض الجملُ فولد فأراً» أن يربط الجمل بحيوان كالفأر يُلام عليه لاحقاً! تذكرت هاتين المسألتين وأنا أتابع الجدلَ الكبير الحاصل بحق الرأي الصادر من أحد مشايخ فتاوى الفضائيات، والذي قال في إحدى المقابلات معه إنه «لا بد من قتل ميكي ماوس»، ولست متأكداً ما إذا كان الرجل يدرك أن «ميكي ماوس» ما هو إلا شخصية خيالية مرسومة كرتونياً، وهي حتماً لا تنتمي الى تنظيم

«والت ديزني» الإرهابي مثلا. واذا كان لا بد من قتل «ميكي ماوس» كما قال، فما العمل بحق «جيري» (وهو الفأر في ثنائي «توم وجيري» الشهير) أو شخصية البطل الأسطوري «مايتي ماوس»، هذا ونحن لم نتطرق لمجموعة أخرى «قد» ينطبق عليها نفسُ الرأي؛ وبالتالي تستوجب القتل. شخصيات مثل «البينك بانثر» (الفهد الوردي) وهو لون

«ناعم أكثر من اللازم» ولا يصلح لحيوان شرس ومفحم بالبطولة والقوة، أو «بوركي بيغ»، وهو خنزير ولا نحتاج لشرح المزيد هنا. وطبعا هناك «سكوبي دو بي دو» (وهو كلب عملاق يلعق أصحابه)، وكذلك «جوفي» أو كما يُعرف بالعربية (بندق) وزميله «بلوتو»، وطبعاً هناك القط «سيلفستر» والقط «فليكس» والقط «جارفيلد» مع عدم إغفال أن هناك موقفاً يجب اتخاذه مع الديناصور صاحب اللون الليلكي الغريب، وهو المعروف باسم «بارني» ولا أعلم ما الذي يمكن عمله مع الطيور والبط شخصيات مثل «تويتي» و«دونالد» «البطة» و«دافي» البطة أو «باغز باني»، وهو أرنبٌ ثائرٌ ماكرٌ أو «كيرمت» الضفدع الفيلسوف وصديقته السيدة «بيجي»، وهي خنزيرة أخرى! واضح جداً أن التحدي كبير جداً لمواجهة هذا الغزو الكرتوني الخطير؛ فهذه الحيوانات جاءت لتهددنا وتقضي علينا، نعم هكذا يتم تصوير أفلام الكرتون للأطفال، وألعاب ومدن وملاهٍ كانت ولا تزال وسائل ترفيه وتسلية وتعليم. والنظر فيها بشكل مختلف هو نوع من الاستخفاف بعقول الناس ومحاولات خلق معارك بلا سبب ولا منطق، ويتسبب في إحراجٍ لمطلقها بين أبناء أمته قبل الآخرين، لأن الناسَ باتت في مرحلة متقدمة من الاطلاع والتلقي والمشاهدة والتفاعل بمكان لم يعد مجدياً معها شعارات الترهيب والإخافة الفارغة بهذا الشكل السطحي. الحيز الذي تستهلكه وتحصل عليه أخبار من عينات «وجوب قتل ميكي ماوس» وغير ذلك هو هدر للوقت والجهد والتفكير وإشغال للناس بأمور لا تنفعهم ولا تهمهم. ولا يمكن التعامل مع مَنْ أطلق هذا الرأي سوى النظر اليه بعين المشفِق والمحب، وأن يُطلبَ منه هدوءٌ في الأعصاب والتعاطي في المسائل بإحسانِ ظنٍ أكبر من ذلك وصرف التركيز الى أمور أهم وأدق ليفيد نفسه بها ويفيد الغير، وأن يترك «ميكي ماوس» ومن هم على شاكلته في حالهم، فهناك أناسٌ أخطر بكثير؛ وعلى حسب علمي أن «ميكي ماوس» ورفاقه لم يرتدوا أحزمة ناسفة حول خصورهم أو أخرجوا أحداً من الدين والملة لأنه كان مخالفاً لهم وغير ذلك من الأمثلة المقززة. رمضان قاربَ على الانتهاء، والعيد على الأبواب وميكي وغيره على موعد مع أطفالنا. دعوهم يلعبوا ويفرحوا بهدوء.

[email protected]