الجدل السني ـ الشيعي وأزمة اتحاد العلماء

TT

أثارت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي الأخيرة حول «التمدد الشيعي» في المجال السني امتعاضا واسعا لدى العديد من المراجع والشيوخ الشيعة ومن أهمهم الشيخ محمد علي التسخيري في إيران والشيخ محمد حسين فضل الله في لبنان. وترددت معلومات متلاحقة بان انشقاقات خطيرة بدأت تظهر في جسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه القرضاوي على خلفية هذا الجدل الحاد.

وقد بدا الموضوع مثيرا من عدة أوجه، فالشيخ القرضاوي لم يكن يوما ينعت بالتعصب الطائفي بل يرفع شعار الوسطية ويتبنى مسلك التقريب بين المذاهب، وكانت له صلات وطيدة بالوسط العلمي الشيعي بما فيه جانبه الإيراني. وعادة ما ينعت القرضاوي بالتهاون لدى السلفيين المتطرفين الذين يرفضون الحوار مع الشيعة ولا يترددون في تكفيرهم.

فلا شك ان خروج القرضاوي عن أسلوبه المهادن المعتدل في التعامل مع الموضوع الشيعي نتيجة أزمة صامتة طويلة عكسها الشلل النسبي الذي مس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تأسس في لندن عام 2004 بمبادرة من الشيخ القرضاوي نفسه الذي أصبح رئيسا له.

أريد الاتحاد تجمعا واسعا لعلماء الأمة على اختلاف طوائفها ومذاهبها، واتبع سنة حميدة بدأها مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هي تمثيل مذاهب الإسلام السبعة (المذاهب السنية الأربعة بالإضافة الى المذهبين الشيعيين الجعفري والزيدي والمذهب الاباضي).

ومع ان المشروع بدا طموحا يصل الى حد تجديد الدين وتنسيق الإفتاء والدفاع عن الإسلام في مواجهة الآخر وتكريس الحوار الفاعل مع المخالف, الا ان تحديات ثلاثا اقتضاها الظرف هيمنت على اهتماماته هي: إدارة وتسوية الخلاف السني ـ الشيعي الذي دخل في مرحلة الاحتقان بعد حرب العراق واحتلاله والوقوف ضد موجة الغلو والتطرف التي تحولت الى فتنة مدمرة أكلت الأخضر واليابس والوقوف ضد موجة العداء للإسلام وتشويهه التي اجتاحت العالم الغربي بعد زلزال 11 سبتمبر ودخلت منعرجا جديدا بعد حادثة الرسوم المسيئة وخطاب البابا بندكت السادس عشر في سبتمبر 2006 حول «جذور العنف والتعصب في الإسلام».

ومع أن الاتحاد عقد دورات متتالية بزخم إعلامي كثيف، واعد خطة عمل واسعة لتحقيق أهدافه المعلنة الا ان ثمرة جهوده كانت محدودة وفي الوقت الذي يتحدث البعض عن تضافر مؤشرات عينية على وجود أزمة بنيوية قد تعصف به في القريب العاجل.

فبخصوص الملف السني ـ الشيعي لم يتمكن الاتحاد من الإسهام في إطفاء الفتنة الأليمة التي تمزق العراق ولا الفتن الأقل حدة في لبنان والبحرين ولا حتى احتواء ذيولها العقدية والفقهية مع الإقرار ان الصدام في عمقه سياسي لا ديني، وان كان العامل الطائفي أدى فيه دورا مؤججا مؤسفا.

ولم يستطع الاتحاد ان يؤدي دورا ملموسا في محاربة الغلو والإرهاب، على الرغم من جهود رئيسه وامينه العام (المفكر الإسلامي المرموق محمد سليم العوا) وظلت ثقافة التطرف والتشدد مسيطرة على تيار واسع من شبابنا.

وعلى الرغم من الخطوات المحمودة التي سجلت في اتجاه الانفتاح على الآخر والحوار معه في إطار برنامج الحوار الديني والثقافي الذي يشرف عليه نائب الرئيس العلامة البارز الشيخ عبد الله بن بية (صاحب المؤلفات المهمة في الحوار الديني والحضاري الذي أسس معهدا مستقلا لهذا الموضوع) إلا أن جهود الاتحاد في هذا المحور بقيت محدودة ودون مستوى التحديات الهائلة التي تواجه علاقة المسلمين بغيرهم من المنتمين للديانات والثقافات الأخرى.

يعزو البعض انتكاسة الاتحاد الى عدم انسجام  تركيبته التي روعيت فيها التوازنات القطرية والمذهبية، ويرجعها البعض الآخر الى هيمنة مدرسة فكرية وسياسية بعينها هي مدرسة الإخوان المسلمين التي يتحدر منها رئيس الاتحاد وواجهته الشيخ القرضاوي، ويذهب بعض الأعضاء الى التشكي من رفض الجهات الرسمية في اغلب البلدان الإسلامية التعامل مع الاتحاد الذي يحرص على استقلاليته الفكرية والمالية.

وقد يكون لكل هذه العوامل دوره في تفسير أزمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين, لكن مما لا شك فيه انه يواجه هذه الأيام اكبر تحد عرفه منذ تأسيسه اثر اندلاع المواجهة الحادة بين الشيخ القرضاوي والزعامات العلمية والسياسية الشيعية.

وتعكس هذه المواجهة في ما وراء جانبها المذهبي الذي يهم الفقهاء أزمة سياسية وإقليمية وكنا نتطلع الى ان يؤدي فيها رجال الدين دور التهدئة والإسهام في الحل بدل ان تتحول الى صدام طائفي.