الانتخابات الأميركية: المسلمون الأميركيون والفرصة الضائعة

TT

تعتبر الانتخابات الأميركية الرئاسية لهذا العام 2008 الحدث الأهم عالمياً وأميركياً على مدى الاربعين عاماً الماضية. فالولايات المتحدة تعيش اليوم نار حربين ساخنتين في افغانستان والعراق، وثالثة استخبارية وأمنية عالمية (باردة وساخنة) تشنها على مصطلح مبهم وتسميها «الحرب على الإرهاب».

وتواجه اليوم حالة ذوبان اقتصادي مريع لأكبر مؤسساتها الاقتصادية يعتبر الأسوأ خلال المائة عام الماضية، حسب الرئيس السابق للمجلس الاحتياطي الفيدرالي آلان غرينسبان. يصاحب ذلك ركود حاد خسرت بسببه سوق العمالة خلال هذا العام وحده أكثر من 600 ألف وظيفة.

المواطن الأميركي، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو العرقي أو الديني، يواجه اليوم مستقبل أقل ما يمكن وصفه أنه مبهم المعالم يحمل في طياته نوع من التوتر والتوجس والقلق لم يعشه منذ عقود طويلة.

وهذا يفسر إلى حد كبير التأرجح المستمر لدى الناخبين الأميركيين بين مرشحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري. عمق الأزمة وآثارها يعززان بظلالهما عدم الثقة من قبل الناخب تجاه الحزبين. فالناخب الأميركي المستاء من الحزب الجمهوري لا يمتلك قدراً كافياً من الثقة في قدرة الحزب الديموقراطي على مواجهة هذه المشاكل والمسارعة في حلها.

هذا التأرجح المستمر بين جون ماكين مرشح الحزب الجمهوري وباراك أوباما مرشح الحزب الديموقراطي يوفّر فرصة فريدة للأقليات العرقية والدينية لتلعب دوراً متعاظماً مقارنة بحجمها. فالمنافسة المتقاربة للمرشحين تجعل لكل صوت قيمة قصوى في انتخابات متقاربة.

وهذا يقودنا إلى المسلمين الأميركيين كأقلية مهمة يجدر التساؤل عن دورها، أين يقع المسلمون الأميركيون من الإنتخابات الرئاسية الأميركية الحالية؟ وإلى أي حد يمكن للمسلمين أن يتجاوزوا خلافاتهم الأيديولوجية والفقهية وانقساماتهم الجهوية والتنظيمية ليلعبوا دوراً هاماً في هذه الانتخابات المحورية على صعيد العالم. فالمسلمون الأميركيون الذين يتراوح عددهم حسب الإحصائيات ما بين 3 ملايين إلى 5 ملايين، يجدون انفسهم اليوم مثل غيرهم من الأقليات الصغيرة الأخرى مثل الأقلية اليهودية الأميركية (5.5 مليون) أمام فرصة تاريخية يمكنهم عبرها ترجيح كفة الانتخابات والمشاركة الفاعلة في تتويج الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية. والسؤال هو هل هم مستعدون لذلك؟

الإجابة، للأسف، ليس بعد. فعلى الرغم من أن الأرض الأميركية عرفت الإسلام منذ نشأتها عبر المسلمين الأفارقة، وعلى الرغم من الهجرات المتتالية التي شهدتها القارة الأميركية منذ مطلع القرن الماضي إلا أن الحضور الإسلامي، السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، لا يزال ضعيفاً في معظم المجالات إن لم يكن معدوماً مقارنة بعددهم وامكانياتهم المادية والعلمية. فالانقسامات بين الوافدين المهاجرين من العرب المسلمين وبين مسلمي شبه الجزيرة الهندية وبين المسلمين الأفارقة وبين المسلمين البيض واللاتينيين وذوي الأصول المكسيكية الذين اعتنقوا الاسلام، لا تزال عميقة. وهي انقسامات أفقية وعمودية، افقية تبرز في تشرذم التنظيمات والمؤسسات التي تعتمد بلد المولد أو اللون أو الحزبية محوراً للعضوية والانتماء، وعمودية تبرز في مدارسهم الفقهية والايدولوجية المختلفة أو المتناحرة المستوردة أوالمصنّعة محلياً. فلا يزال بين المسلمين الأميركيين من يكفّر الديموقراطية ولا يزال منهم من يحرّم المشاركة السياسية، ولا يزال من بينهم من ينكر الانضمام إلى الأحزاب السياسية والمشاركة في مؤسساتها ولا يزال بينهم من لا يعترف بحق ومسؤولية المواطنة. فبعد أكثر من قرنين من الزمن تمكن المسلمون الأميركيون قبل عام واحد فقط من انتخاب أول عضو مسلم في الكونغرس الأميركي.

والمسلمون الأميركيون اليوم منقسمة أولوياتهم بين أجندة المسلمين الوافدين اللصيقة بالسياسة الخارجية والقضايا الساخنة، مثل فلسطين وكشمير. وهم في هذا أقرب إلى لوبي يخدم اجندة خارجية مثل اللوبي اليهودي (إيباك) منهم إلى مواطنين يهتمون بقضايا وطنهم. وأجندة المسلمين الأصليين من السود الافارقة والمعتنقين للاسلام وأبناء الأجيال الثانية والثالثة والذين ينشدون اجندة أكثر وطنية ومحلية تشمل اولوياتها قضايا الاقتصاد والصحة والتعليم والحريات العامة والأمن. كما يجب ألا ننسى الصدع الجيلي بين ابناء الجيل الثاني والثالث وأباء واجداد الجيل الأول الأكثر التصاقاً بأوطانهم الأصلية. كل ذلك يجعل الأقلية الاميركية المسلمة أضعف من أن تثير اهتمام المرشحين أو تجعلهم يتسابقون على كسب ودها.

ففي الوقت الذي يجهد فيه المرشحان الرئاسيان الجمهوري جون ماكين والديموقراطي باراك أوباما للحصول على كل صوت يستطيعان الوصول إليه ويمدان ايديهما لكل ناخب أميركي، نجد الناخبين الأميركيين المسلمين يعانون من تهميش واهمال واضح من قبل المرشح الجمهوري ماكين الذي يشهد تاريخه بنأيه عن الأميركيين المسلمين وابتعاده عنهم واصراره على استخدام مصطلح «الإرهاب الإسلامي» للتعبير عن موقفه الايديولوجي، ونجد المرشح الديموقراطي لا يقل حماسة في محاولته لاستبعاد المسلمين والتنصل من كل علاقة له بأي شيء مسلم، وسببه في ذلك تكتيكي اكثر منه أيديولوجي، فالاتهامات المتكررة بأنه مسلم «مستتر» وأن له علاقات مشبوهة مع شخصيات مسلمة. كل ذلك جعله أكثر حذراً ورغبة في استبعاد المسلمين من حملته وابعاد حملته عنهم.

المرشح الديموقراطي باراك أوباما اكتفى عند سؤاله عن موقفه من المسلمين بالإشارة إلى سجله القوي في دعم المسلمين الاميركيين وقال: «انا الشخص الذي تكلم عن التفرقة العنصرية ضد العرب الاميركيين في خطابي أمام المؤتمر الديموقراطي عام 2004 وهو أمر لم اسمع بأن كثيرين من السياسيين تحدثوا خلال فترة الخوف عقب 11 سبتمبر، انظروا إلى سجلّي الكامل، لقد كنت دائماً في المقدمة عند مواجهة العنصرية ضد العرب الاميركيين والمسلمين الاميركيين، وسأستمر في ذلك عندما اصبح رئيساً للولايات المتحدة». أما المرشح الجمهوري جون ماكين فليس في استراتيجيته التقرب من المسلمين، وإنما يقصر سياسته على مواجهة ما يسميه بـ«الإرهاب الإسلامي» المتعصب دون أن يوضح كيف سيمكنه التعامل مع المعتدلين من مسلمي أميركا.

ولكن، وعلى الرغم من ضعف المسلمين الأميركيين وتشرذمهم والاهمال الواضح الذي يعانونه من قبل المرشحين، فإن انتخابات هذا العام تقدّم للمسلمين الأميركيين فرصة تاريخية كبرى لاختيار الفائز، فتركزهم في الولايات الولايات الكبيرة التي لم تحسم اختيارها والتي تسمى «الولايات المتأرجحة» أو ولايات «ميدان المعركة» التي سيحدد اختيارها نتيجة الانتخاب الرئاسي ومن سيحتل البيت الأبيض خلال الاعوام الأربعة القادمة على الأقل، قد يجعلهم الرقم الصعب في المعادلة.

ولايات، فرجينيا وفلوريدا وبنسلفانيا ومتشيغان وأوهايو هي الولايات الحرجة في انتخابات هذا العام، وهي ولايات تتميّز بحضور عربي وإسلامي كبير، ويمكن أن تلعب عبره دور المرجح في المحصلة الاخيرة. فالمسلمون الأميركيون يشكلون قطاعاً كبيراً في ولاية ميتشيغان خاصة في مدينة ديترويت وضواحيها، كما يشكل المسلمون نسبة مهمة في ولاية فلوريدا قد تكون التي رجحت كفة جورج بوش في انتخابات عام 2000. وكذلك الحال في مناطق بولاية بنسلفانيا وولاية فرجينيا واوهايو.

ولكن وبالرغم من بدء التصويت المبكر للرئاسة الأميركية في هذا الاسبوع في 11 ولاية أميركية، ليس هناك من مؤشر واحد يدل على محاولة من قبل أي من المرشحين لخطب ود المسلمين.

ليس من شك أن الاميركيين المسلمين لم يكونوا مستعدين ليوم الامتحان الكبير هذا العام، ولكن هل سيدفع أحد المرشحين ثمن اهماله للصوت المسلم الأميركي كما دفع آل غور الثمن عندما رفض مقابلة المسلمين الأميركيين في انتخابات عام 2000 فصوّت المسلمون لجورج بوش وخسر غور الرئاسة ببضع مئات من الأصوات؟

ليلة 4 نوفمبر 2008 ستحمل الإجابة.

* كاتب وباحث أميركي من أصل ليبي

ومدير قسم الأبحاث والإعلام في المركز الأميركي العربي للإعلام والأبحاث والترجمة بواشنطن