مدن تحتضر!

TT

هل تحتضر المدن أصلا؟ سؤال مشروع ان يطرح ومن الأهمية أن يلقى المساحة المناسبة للبحث والتمعن، قبل الشروع في الاجابة عليه. هناك مدن ماتت بالفعل وانحسرت أهميتها وهمشت، على الرغم من الاجماع على تميزها وثقلها عبر التاريخ وبصماتها الواضحة فيه. «جنوا» الميناء الايطالي كان واجهة على العالم وترمومتر الحراك الاقتصادي تماما، كما كانت «البندقية» و«فلورنسه» واجهتين علميتين وحضاريتين. وهناك «هيروشيما» و«كيوتو» في اليابان كانتا مدينتين تحظيان بثقل استثنائي حتى همشتا لصالح «طوكيو» و«يوكوهاما». عربيا يبدو واضحا أن هناك مدنا تحتضر جراء ظروف مختلفة، منها ما هو متعمد ومنها ما هو بسبب الاهمال والفساد، ومنها بسبب قصور في الأداء والادارة وغياب الحساب. ففي سورية تعاني مدينة حلب العريقة من اهمال وغياب عن الحراك والتنمية الاقتصادية، أثر على ثقة «الحلبية» في مستقبل مدينتهم ورؤيتهم لها، مما جعلهم يعزفون عن الاستثمار فيها تماما ويفضلون الهجرة منها باعداد غير بسيطة. وذات الشيء يحدث في مدينة القاهرة، المدينة الأكبر عربيا، التي تختنق بسكانها ويجبر تلوثها على الخروج منها لمناطق عشوائية خارج محيطها، وتخرج معها الاستثمارات وفرص السياحة والتعليم، وما ينطبق على القاهرة ممكن أن يقال على «جدة» عروس البحر الاحمر «سابقا»، التي تواصل تلقي الصفعات من مهزلة الصرف الصحي وغيرها من الاعاجيب الفاضحة. ومن جدة ممكن الذهاب الى طرابلس في لبنان والخروج بانطباع شبيه بذلك، مدينة أهملت ونسيتها كل خطط التنمية، وسمح فيها بانشاء مستنقعات بشرية تحولت لأوكار للإرهاب والتشدد، ومن طرابلس تحط الرحال في «عدن» هذه المدينة التي شهدت أمجادا باتت أطلالا حزينة لا علاقة لها بإرثها وماضيها الجميل. المدن تترك لتموت أو تدفع دفعا للاحتضار، وفي كافة الاحوال هي عار كبير على الأوطان التي تسمح برؤيتها تحتضر وتموت، من دون القيام بإيقاف ما يحدث بصورة جادة وحازمة وردع المتسبب في ما يحدث، لأن هذه المدن كلها هي اجزاء اساسية من أوطانها، والوقوف بسلبية ومشاهدتها وهي تذبل هو أشبه بمن يرى الورم السرطاني ينتشر في أحد اعضائه، معتقدا أنه لن يصل اليه. موقف بائس وحزين جدا.

[email protected]