دراجة وكيل الوزارة وقهوة «ستار بكس»

TT

لم يزل بعض الآباء العصاميين يفخرون بتجاوز قسوة زمانهم، يوم كان مصروفهم المدرسي نصف قرش في اليوم، وحقائبهم المدرسية من زوائد أكياس الطحين، ودفاترهم ألواح خشبية تغسل بعد كل درس بالماء والمضير.. وهي صور تستحق أن تروى وتحكى وتقص، ومن حق أولئك الآباء العصاميين أن يترنموا بها كموال أحرق حنجرة المغني طويلا قبل أن يصل إلى نهايته، لكن حشرها في قضايا الزمن المعاصر غالبا ما يكون خارج السياق، ولا أهمية في استحضاره أو توظيفه إلا في درس التاريخ الاقتصادي أو الاجتماعي..

ووكيل وزارة التعليم العالي لشؤون الابتعاث، الدكتور عبد الله الموسى وقع في ملتقى الإعلاميين الذي عقد في الرياض قبل أيام تحت تأثير إغراء الماضي، فراح يتحدث عن دراجته التي كان يمتطي صهوتها كل يوم من وإلى الجامعة في ألمانيا، ساخرا بذلك من مطالبات المبتعثين برفع مكافآتهم لمواجهة الغلاء، ومتهكما بأن سياحة الطالب السعودي وأكله في «ستار بكس» ليست مسؤولية الوزارة!!

فإذا كان الدكتور الموسى يريد أن يرجع عجلة الزمن حيث كان، فعليه أن يأمر بصرف دراجة لكل مبتعث من نفس ماركة الدراجة التي كان يمتطي صهوتها في ألمانيا، وأن يقول للزمان: «ارجع يا زمن»!..

فموجة الغلاء التي تجتاح العالم اليوم تتطلب منا أن ننظر بقدر من الواقعية لإعادة تقويم أوضاع طلابنا الاقتصادية في مناطق اغترابهم على ضوء معايير المعيشة السائدة هناك، فمن مصلحتنا أن يتفرغ الطالب لدراسته بعيدا عن هيمنة الانشغال بتدبير أموره المالية، أو اضطراره إلى العمل لجزء من اليوم في بعض أعمال الجامعة التي يدرس بها لمعادلة الدخل مع متطلبات الحياة.. وحتى لو كانت مكافأة الطلاب المبتعثين كافية كما زعم وكيل الوزارة، فإن ثمة أسلوبا أفضل وأجدى للبرهنة على ذلك بمقارنة مكافأة طلابنا مع غيرهم من الطلاب الخليجيين، أو أية وسيلة أخرى غير استحضار مفردات «الدراجة»، و«السياحة»، و«ستار بكس»، وهو يعلم أن من بين طلابنا من يجاهد لكي يصل إلى آخر الشهر لا له ولا عليه، ومن غير أن يستنجد بالأهل ليهبوا لنجدته..

فرفقا بالمبتعثين يا وكيل الوزارة لشؤون الابتعاث.

[email protected]