هلال العيد يا ليلة العيد أنستينا

TT

نحن الآن في أواخر هذا الشهر المجيد وآن لي أن أهنئ سائر إخواني المسلمين عبر الجبال والبحار والقارات الخمس أو الست، ومن يدري ربما في القمر والمريخ والزهرة، إذ يقال إن فيها آثارا من الحياة، وهذا يعني أن فيها مسلمين مشردين ولاجئين.

مثلما استقبلنا مجيء الشهر بكثير من الضجيج والأنشطة، آن لنا أن نودعه بمثل ذلك. فلنهايته مثلما لبدايته تقاليد وممارسات. هناك أولا مشكلة رصد الهلال والتأكد من انتهاء الشهر. وأثناء ذلك تكون ست البيت قد أعدت الحمام البيتي أو شدت المناشف واللوازم اللازمة لحمام السوق في حال الاستحمام خارج الدار. البنات والأطفال الصغار مع أمهم والذكور مع والدهم. وعندئذ تظهر مشكلة الصبي الذي اقترب من المراهقة. هل يقبلونه في حمام النسوان مع أمه أم يطردونه منه ويعيدونه ليلتحق بأبيه؟

«عيني خانم، هذا ابنك ما شا الله كبر. صار يفتهم. هذي آخر مرة نسمح له يخش بحمام النسوان. المرة الجاية يروح ويا أبوه لحمام الرجال».

ويكون الصبي عندئذ قد احمر خجلا وتصبب العرق من وجهه دون أن يفهم ما الذي أصبح يفتهم. هذه آخر مرة له يرى فيها نساء مسلخات كما خلقهن الله. تعود العائلة من الحمام ويكون الأب قد وضع على الرف كومة من الفلوس الخردة. هذه أولا حق المسحراتي الذي واظب طوال رمضان على ضرب الطبول لإيقاظ الناس وتلقى مسبات غير الصائمين. وهذه حصة الزبال ومثلها للكناس والحارس الجرخجي. ويحتدم الجدال. لماذا نعطي بقشيش للجرخجي؟ في شهر رمضان ماكو حرامية. ليش نعطيه فلوس؟ وترد الوالدة الصالحة: عيني لكن هذا الرجال السنة كلها البندقية على كتفه ويدور. يعني ما يستحق شوية من فلوس الفطرة؟

وهذا تقليد آخر تشارك فيه كل الشعوب الإسلامية. وهو المبلغ الذي يستحق على كل عائلة حسب عددها، صائمين أو مفطرين. يدفعون للفقير والمحتاج وابن السبيل لقاء انتهائهم من الصوم. وكما أعد الناس أنفسهم في شهر شعبان للصوم، يأخذون بإعداد أنفسهم في رمضان لفطور شهر شوال. ينهضون في آخر ليلة، ليلة العيد، لتناول سحور مختصر كنا نسميه في العراق بسحور اليتيمة، باعتباره سحورا لا يليه يوم صيام.

لا يكاد الأطفال يستطيعون النوم في تلك الليلة، انتظارا للصباح، صباح العيد. لا يرون النور إلا ويهرعون إلى أبويهم ليقبلوا أياديهم ويتسلموا عيدياتهم ويلبسوا ملابسهم الجديدة، ملابس العيد. يبدأ الضجيج والصياح. هذا بنطلونه لا يدخل في رجله وذاك ردان سترته أطول من ذراعه، والمحروسة ليلى قندرتها ضيقة. تبدأ بالبكاء ويبدأ أخوها قدري بالاحتجاج والشكوى من لون قميصه. ولكنهم سرعان ما يحلون مشاكلهم اللوجستيكية وينطلقون من الباب ركضا إلى الفرجة، المحل المخصص للتفرج على كل شيء. العربات والحمير والبغال والدراجات في انتظارهم. يركبون بدون حساب وبدون سؤال، ففي جيوبهم عيديتهم. ينطلقون. يصفقون وينشدون: «يا عيد يا أبو النمنمة، خذنا وياك للسينما!»

www.kishtainiat.blogspot.com