سياحة إرهابية

TT

قضية اختطاف 11 من السياح الغربيين في مصر باتت أقرب إلى الدراما، بسبب الغموض الذي يجعل جميع أبواب التكهنات مفتوحة على مصراعيها، خصوصا مع تضارب التصريحات الرسمية في الدول المعنية.

فالخاطفون يتنقلون بحرية مع رهائنهم بين ثلاث أو أربع دول وهو ما يثير الاستغراب؛ فاليوم في مصر، وغدا في السودان، وبعده في ليبيا، وما يلبثون أن يعودوا إلى السودان، مع نفي ليبي، وكلام عن أنهم في تشاد، وتصريحات تقول إننا نراقبهم، ونراهم يتحركون من هنا إلى هناك!

أحد أعضاء الوفد الألماني المفاوض للخاطفين يقول إن «المجموعة المسلحة تتعمد نقل الرهائن يومياً بين مصر وليبيا والسودان»، مضيفا أن الرهائن كانوا يوم الثلاثاء الماضي في مصر، وتم نقلهم إلى السودان الأربعاء، وتوجهوا إلى ليبيا الخميس، وعادوا صباح الجمعة مرة ثانية إلى السودان، ناهيك من الحديث عن دخولهم الأراضي التشادية.

والأكثر غرابة في القصة هو الحديث عن تصريحات رسمية من أطراف الأزمة تحث على دفع الفدية للخاطفين، التي تصل إلى قرابة 6 ملايين دولار. سياحة إرهابية لا مثيل لها، وكأن عملية اختطاف السياح هي جزء من المغامرة في رحلتهم التي دفعوا أموالا من أجلها.

لكن السؤال المستحق هنا هو، إذا كان الخاطفون يستطيعون التنقل برا بين حدود ثلاث إلى أربع دول مع الرهائن، ويقومون في الوقت نفسه بالتفاوض مع الجهات المعنية، فما هو حال تلك الحدود، ومدى أمنها في وجه الإرهاب؟

إذا كان مختطفو الرهائن يتنقلون بحرية وسهولة، كل يومين في دولة، فماذا عمن يهربون الأسلحة، والمتفجرات، وماذا عمن يقومون بتهريب المخدرات، وغيرها من قائمة الممنوعات؟

سؤال مستحق، وواقع عربي محير، خصوصا أننا نرى الملاحة البحرية تتأثر كل يوم من عمليات القرصنة التي يقوم بها القراصنة الصوماليون في البحر الأحمر، خاصة مع الحديث عن دفع فدية لهم لتخليص سفن تم اختطافها.

الأمنيون، تحديدا، يعلمون أن أحد أهم مصادر تمويل الإرهاب هو عمليات التهريب، من المخدرات والأسلحة وحتى تجارة الماس وغسيل الأموال وغيرها.

ولذا فإن عملية اختطاف السياح الأوروبيين تعد أخطر من مجرد عملية اختطاف، فهي تسلط الضوء على خطورة واقع الحدود البرية بين دولنا العربية، بل وإذا أردنا أن نكون دقيقين فهي تسلط الضوء على واقع الأطراف، وخطورة إهمالها.

والأمر ليس في مصر وحدها، بل في جل الدول العربية، فإحدى المشاكل في اليمن أن هناك مناطق تقع خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية مما يحولها إلى مناطق آمنة للتدريب على السلاح والتهريب وغيره.

من هذا المنطلق فإن أزمة السياح الغربيين، والقراصنة الصوماليين الذين بلغ الأمر بهم إلى حد تعيين متحدث رسمي لهم، تحفز على فتح باب النقاش جديا حول مناطق الأطراف الجغرافية في الدول العربية، وواقع الحدود البرية والبحرية في منطقتنا، خصوصا أننا نرى الإرهاب يعبث في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، وجل العمليات تكشف عن أنها تمت من خلال تخطيط دقيق، وأموال طائلة، وأسلحة ومتفجرات دائما ما تأتي تهريبا عبر الحدود!

[email protected]