رنة محمول

TT

نسيت ما كانت عليه الحياة قبل ان يدخل الهاتف المحمول حياتي. في البداية رفضت اقتناءه واعتبرته نوعا من الاسراف الذي لا داعي له واتهمت من يحملونه بأنهم من عشاق الوجاهة الاجتماعية ليس الا.

ثم اصبح المحمول صديقي منذ تعرضت لحادث في الصحراء. ولولا وجوده في حقيبة يدي لما نجوت. فبفضله امكنني الاتصال بالطبيب ليأتيني بالنجدة.

المحمول جزء من حياتي وحياتك وحياة الآخرين. له منافع وله مضار ومع وجوده نشأت سلوكيات جديدة دالة على شخصيات من يحملونه. ولنبدأ بالنغمات الموسيقية التي تنبهنا للاتصالات الخارجية. في كل بلاد العالم يختار الناس رنة عادية تفي بالغرض، الا في بلادنا. رنة الهاتف قد يصاحبها الدف والطبول والمزامير، او حتى النكات او موسيقى فيلم العظماء السبعة. وفي بلادنا فقط ابتكروا للمحمول حليا لتزيينه بأسعار باهظة. والغريب ان تلك السلوكيات لا تختلف سواء كنت مواطنا لبلد غني او لبلد فقير.

اصبح الهاتف المحمول جزءا من الحياة ومثله الكمبيوتر، الذي فتح عالما سريا للملايين على الفضاء السيبروني. وكما نشأت سلوكيات خاصة بالهاتف المحمول نشأت سلوكيات خاصة بالكمبيوتر.

ولا يخفي على احد ان العناوين الالكترونية التي يتفنن اصحابها في اختيارها لها دلالات قاطعة على شخصية المرسل. فتلك فتاة تختار ان تستخدم عبارة الاوزة الغامضة كعنوان لها. واخرى تتواصل مع العالم عبر عنوان هو: اميرة الصحراء. وثالث لم يجد عنوانا افضل من: ملك الجن. ولا يدرك هؤلاء ان نظرة فاحصة على العنوان تكشف جوانب من شخصية المرسل من حيث الصدق او الميل للمبالغة او احتمال المعاناة من جنون العظمة. التسكع في الفضاء السيبروني سلوك مكتسب. وربما يكون امتدادا لعادة التسكع في الطرقات والمولات من جراء الاحساس بالفراغ. والتسكع انواع، فهناك من يتخفف من الضغط بقراءة المدونات او البحث عن صفقة في مواقع الشراء. وهناك من يكتفي بقراءة بريده الالكتروني وتبادل النكات مع الاصدقاء، خاصة ان النكات تلقى رواجا شديدا بعدما دخل الكمبيوتر حياتنا. فإرسال النكتة على الانترنت اسهل بكثير من روايتها لصديق وجها لوجه، لأن القاء النكات فن لا يتقنه الجميع، بينما ارسال النكتة المكتوبة يتم بضغطة زر.

الى هنا والتسكع لا يضر. ولكن حين يدق باب غرف الدردشة يصبح التواصل خطرا مقيما. فمن دواعي الاسف انه سلوك يقوم على اوهام ويضاعف فرص المبالغة والكذب. فمن السهل ان يشطح الخيال على النت، بحيث يتقمص طرف شخصية فارس الفوارس، بعيدا عن النظرة المباشرة وعن اذن المستمع، الذي يمكن ان يكتشف كذبه. من السهل ان يتظاهر المتزوج بأنه اعزب وان يتظاهر متوسط العمر بأنه مراهق. القصير يصبح طويلا والسمين يصبح رشيقا في اوكازيون الخيال الجامح، والدردشة مجانية وعلى مسؤولية المتكلم والمستمع. أما التسكع في المواقع الجنسية فهو اقصر طريق الى الادمان والى خراب البيوت والعقول. أسئلة كثيرة تحيرني. هل نحن امة تسخر من حماقاتها الامم؟ لماذا تضيع اموالنا وطاقاتنا في الفاضي؟ ولماذا تتحول تكنولوجيا نقل المعلومات في ايدينا الى اسلحة دمار؟ بعد ان تقرأ هذه السطور استمع الى رنة هاتفك المحمول. اعد التفكير في الاسم الذي اخترته كعنوان الكتروني لمراسلاتك. وان اغراك التسكع تسكع ولكن بحساب.